المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

سياسة الحوار والتوافق بين الأجيال

الخميس 05/مايو/2016 - 02:17 م

أحد أبرز مظاهر حيوية وكفاءة ومهارات النخب السياسية المؤمنة بالقيم والتقاليد الديمقراطية، هو احترامها لجوهر وأشكال دولة القانون وسيادته على جميع المواطنين الحكام قبل المحكومين، والتزامهم بروحه ونزاهته وحيدته فى التطبيق دون تجاوز أو إفراط،

والأهم التزام السلطة الشارعة بالتوازن بين المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والرمزية المتصارعة والمتنافسة بين القوى الاجتماعية المختلفة، وذلك لضمان التوازن السياسى والاجتماعى فى البلاد ولا يتأتى هذا الهدف إلا من خلال العقل السياسى، والعقل التشريعى الرصين والخلاق، وليس من خلال ضيق الأفق والنزعة المحافظة التى ترى فى القوانين أداة لتحقيق مصالحها وأهدافها، وفرض تصوراتها الضيقة للهندسة الاجتماعية والسياسية التسلطية، التى باتت وكأنها تعيد إنتاج رؤى وتصورات سلطوية ترمى إلى ضبط وتقييد الحريات العامة والشخصية تحت دعاوى شتى.

أحد أهم أدوات السيطرة وفق هوبز- تتمثل فى إشاعة الخوف بين المواطنين أو قطاعات أساسية، بحيث يمكن للسلطة الحاكمة أن تحكم سيطرتها. تمثل نظرية المؤامرة أداة من أدوات إشاعة الغموض والخوف معاً، وترمى إلى تبرير الإجراءات الاستثنائية، والقوانين المقيدة للحريات، ولنظرية تغليظ العقاب، وتعتمد على إشاعة حالة نفسية جماعية عن أخطار حقيقية، أو متوهمة بحيث تخشى معها فئات اجتماعية وترى أنها مهددة فى الأمن والمصالح الاجتماعية والاقتصادية، بحيث تعطى للسلطة الحاكمة مساحة حركة واسعة لتمرير إجراءاتها وقراراتها التى تمس الحريات العامة والشخصية وتفرض قيوداً عليها. فى مراحل تطور نظام يوليو التسلطى اعتمدت نظرية المؤامرة التى تحولت إلى ثقافة المؤامرة على غياب الشفافية، وندرة المعلومات الصحيحة وعلى النظام الإعلامى الموجه من خلال أجهزة الدولة الإيديولوجية التى تبث المعلومات المبتسرة والغامضة والمصطنعة فى عديد الأحيان لتبرير السياسة الرسمية وقراراتها. التعتيم الإعلامى وعدم الانفتاح المعلوماتى الحر على العالم إلا استثناء هو الذى رفد ثقافة المؤامرة بدماء الاستمرارية والذيوع والانتشار فى العقل الجمعى المصرى والعربى. بعض مصادر الخوف المعمم قد تكون حقيقة ولها حضور فى الواقع الموضوعى على الصعد الكونية، أو الإقليمية، أو الوطنية كالجماعات الإرهابية على نمط القاعدة وداعش والسلفيات الجهادية ولها تجليات فى العنف المفتوح، وإشاعة الموت والوحشية لتحقيق الردع العام. بعض الخوف والرعب المعمم قد يكمن فى تمويل ودعم بعض الفاعلين الإقليميين أو الدوليين لبعض هذه الجماعات الإرهابية، تحقيقاً لمصالحهم السياسية، أو لمواجهة أطراف إقليمية أخرى تمدد دورها ونفوذها السياسى كإيران، أو تدخل حلف الناتو لإسقاط نظام الكولونيل القذافى، أو الضربات الجوية الأمريكية والأوروبية لبعض مواقع داعش.. الخ. أن تحرر عقل النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة من ثقافة ونظريات المؤامرة والاستثناءات محدودة فى كليهما- بات من الأهمية بمكان، لإعادة العقلانية والرشد السياسى إلى العقل السياسى والخطاب العام، لأن الثورة الرقمية هادرة بالمعلومات والأخبار والآراء من أركان الدنيا كلها، ولم تعد الأجيال الجديدة الخارجة من أصلابها قابلة لمثل هذه التفسيرات سابقة التجهيز، ومن ثم لا تأبه بها، ولا بالخوف الذى تشيعه.

ثمة حاجة ملحة وضرورية للتكيف السلطوى والسياسى مع التغيرات الاجتماعية لاسيما ارتفاع نسبة الشباب إلى كبار السن فى هيكل الأعمار، ومن ثم ضرورة تجسير الفجوة الجيلية من خلال رؤية جديدة وآليات مبتكرة فى ظل شيوع إدراك جمعى بأن ثمة إقصاء للشباب عن السياسة واحتكار الأجيال الأكبر سنا لها، وهو ما ظهر فى نكوص غالبهم عن المشاركة فى الانتخابات العامة، وعدم انخراطهم فى الأحزاب السياسية الهشة والضعيفة والمعزولة جماهيرياً، وفى العنف المفرط إزاء تظاهراتهم، وصدور أحكام قضائية قاسية فى مواجهة بعضهم ممن خرجوا على قانون التظاهر. فى ظل هذه الفجوة الجيلية يتطلب الأمر رؤية جديدة وسياسة للحوار تسعى لبناء توافقات جيلية بين الحكم وبين الشباب تقوم على ما يلى:

1- خطاب سياسى جديد مفتوح على الحوار والمصالحة وبناء التوافق حول الأهداف التنموية والسياسية للمرحلة الحالية والمستقبلية للتطور السياسى فى البلاد، يعتمد على المعلومات ورؤية سياسية إصلاحية جيلية لها.

2- الإفراج عن المحكوم عليهم فى قضايا خرق قانون التظاهر، والذين تم القبض عليهم وتم حبسهم مؤخراً من الشباب صغير السن، وذلك كجزء من المصالحة، ولأن وظيفة الردع العام تحققت من خلال الحسم فى تطبيق القانون.

 

3- ضرورة التركيز على خطاب الأمل فى غد سياسى أفضل حول مآل أوضاع الحريات العامة والشخصية، وفرص العمل والمشاركة السياسية الفعالة، وذلك من خلال الدعوة إلى مؤتمر قومى للشباب، يشارك فيه الغاضبون حتى هؤلاء الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية فى خرق قانون التظاهر حتى يستشعر غالب أبناء هذا الجيل أنهم فاعلون فى تقرير مصائر بلادهم.

4- الوعد الرئاسى والحكومى بإعادة النظر فى بعض مواد قانون التظاهر.

5- تقديم رؤية تشريعية لإصلاح النظام القانونى المصرى وتطويره كجزء من توفير البيئة الاستثمارية الملائمة، ولمنظومة الحريات العامة والشخصية، وإصلاح نظام الأسرة، وتمكين المرأة، وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، ودعم الحق فى الثقافة والفئات الأكثر احتياجاً، والمناطق المهمشة. هذه الرؤية الجديدة سوف تفتح أبواب الأمل مجدداً، وتشكل قاعدة للتوافق الاجتماعى والجيلى للانطلاق نحو إصلاحات شاملة ومصالحة بين الأجيال فى مصر حول سياسة الأمل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟