المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

سياسة الملفات فى مواجهة أوضاع مضطربة

الخميس 12/مايو/2016 - 01:35 م

منذ سنوات طويلة أطلقت تعبير سياسة الملفات، وأعدت استخدامه كعنوان لمقالات، وأحد أسباب استخدامى لهذا العنوان عديد المرات يعود إلى بعض الأسباب التى أشير إلى بعضها فيما يلى:

1- تراجع وضعف بعض التقاليد المؤسسية فى عمل الحكومة وأجهزة الدولة، وغلبة الرؤى البيروقراطية العتيقة والمستمرة منذ عديد العقود سواء على مستوى العمل اليومى، أو فى مقاربة المشكلات والأزمات والظواهر الجديدة وغير المألوفة كنتاج للتغير الاجتماعى لاسيما من أسفل، كجزء من بعض عمليات التهميش الاجتماعى لبعض الشرائح الاجتماعية الوسطى- الوسطى والوسطى الصغيرة، والبورجوازية والبروليتاريا الرثتان فى المدن المريفة، والعمال والفلاحين، من ناحية أخرى التحولات العالمية والكونية وما بعدهما، لاسيما بعد سقوط الإمبراطورية السوفيتية، وتراجع الإيديولوجيات والسرديات الكبرى كالماركسية.

2- تدهور مستويات التعليم، والتكوين الوظيفى والثقافى والمعرفى لكوادر أجهزة الدولة القادمين من مصادر التجنيد السلطوى المستمرة منذ ثورة يوليو 1952، وهى مصادر بيروقراطية وتكنقراطية وأمنية، وذلك فى ظل ترهل أجهزة الدولة فى عهدى السادات ومبارك، واستمرارية وانكشاف وتراجع الكفاءات فى ظل المراحل الانتقالية عقب 25 يناير 2011، ولم يعد الأمر مقصوراً على ضعف كوادر أجهزة الدولة، وفى المعارضة وبين غالب الأجيال الجديدة الشابة الخارجة من نظام تعليمى ردىء ومتخلف عن عالمه.

3- نزعة التواطؤ والتعمية على الأخطاء الكبرى فى أداء بعض الأجهزة وعدم مواجهتها لأسبابها البنيوية، واللجوء إلى معالجة واحتواء بعض آثارها واحتقاناتها دون معالجة منابتها الأساسية.

والسؤال الأساس ما الذى نقصده بسياسة الملفات؟ ببساطة هى لجوء رئيس الجمهورية بوصفه رئيساً للدولة إلى إسناد بعض ملفات المشكلات والأزمات الممتدة أو الجديدة أو الظواهر الحالية أو الطارئة أو القضايا المستقبلية إلى بعض المراكز البحثية المستقلة، أو إلى أهل الخبرة والكفاءة والاختصاص والنزاهة والموضوعية والحيدة والاستقلالية لدراسة تحليلية لموضوع الملف وتاريخه وأطرافه، وتتاح لهم المعلومات الأساسية والحق فى الاطلاع على كل ماله صلة بالموضوع الأساس أو الفروع المتصلة به لكى تقدم رؤية متكاملة، وتصورات لحزمة من السياسات العملية لمواجهة الموضوع فى جذوره، وعلى نحو متدرج وسريع وحاسم، مع تقديم البدائل والسيناريوهات المختلفة حول هذا الموضوع.

السؤال الثانى: هل هناك سوابق لما نسميه بسياسة الملفات فى السياسات المقارنة عالمياً؟

استخدمت هذا التعبير أو الاصطلاح انطلاقا من التنظير المباشر للواقع السياسى فى التجارب المقارنة، حيث تم اللجوء إلى بعض كبار الخبراء أو مراكز البحث المستقلة ذات الوزن والثقل فى مجال تخصصها لبحث مشكلة أو بعض المشكلات، وتقديم تصور حول سياسة أو حزمة سياسات لمواجهتها. لجأت إلى هذا الأسلوب فى التعامل العلمى مع المشكلات والظواهر الجديدة عديد من الدول وقادتها وعلى سبيل المثال لا الحصر: أ - حكومة ولاية كيبك الكندية استندت إلى رؤية الفيلسوف الفرنسى الكبير جان فرنسوا ليوتارد لإعداد تصور مفهومى عن التعليم فى القرن الحادى والعشرين، ووضع تقريره الفلسفى المهم عن الشرط ما بعد الحديث.

ب - قيام رئيس الدولة الفرنسية بإسناد ملف التعايش فى إطار الجمهورية وظواهر الأسلمة والحجاب إلى أحد الساسة الفرنسيين ومجموعة خبراء قدموا تقريرهم له حول الموضوع.

ج - التقرير الأمريكى عن أمة فى خطر حول نظام التعليم ومشكلاته، ومخرجاته وكيف يمكن الخروج منها.

د - فى العالم العربى، لجأ الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على إلى إسناد ملفى حقوق الإنسان، والمرأة إلى بعض كبار علماء الاجتماع التونسيين المرموقين. ما تم فى الأمثلة السابقة حدث فى ظل نظم ديمقراطيات راسخة التقاليد، وفى علاقة السياسة بالبحث العلمى والاستفادة من بحوثه ونتائجه ومعطياته فى رفد السياسى بالروئ الجديدة، والاستثناء هو المثال التونسى على عهد ديكتاتورية زين العابدين بن على.

السؤال الثالث لماذا ندعو مجددا إلى سياسة الملفات؟ لعديد الأسباب، نذكر بعضا منها فيما يلى:

1- تراكم وتكالب المشكلات والأزمات، والارتباك السائد لدى بعض أجهزة الدولة، وعدم القدرة على مواجهتها.

2- غياب الخيال السياسى فى التعامل مع المشكلات من خلال رؤى وتصورات عملية مبتكرة.

3- اعتماد بعض قادة أجهزة الدولة على الخبرات السابقة التى لم تعد صالحة لمواجهة تحولات نوعية فى بنية الأجيال والأعمار، وفى التركيبة الاجتماعية لاسيما منذ بداية الألفية الجديدة حتى 25 يناير 2011، وما بعدها، وفى التركيبة الاجتماعية وتغيراتها.

4- نقص الرأسمال الخبراتى السياسى لدى بعض أعضاء الحكومة والبرلمان وقادة أجهزة الدولة، وعدم متابعة التغيرات الكونية وما بعدها، وما حدث ولا يزال فى الإقليم، وداخل البنية الاجتماعية والثقافية المصرية.

5- الاعتماد المفرط من بعض قادة بعض أجهزة الدولة على الجهاز الأمنى فى أمور وقضايا سياسية بامتياز، على نحو تحولت جميع القضايا والمشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى قضايا أمنية، وهى أمور بها بعُد أمنى، ولكنه أحد أبعادها المركبة هى من اختصاص أهل السياسة.

6- أداء الدولة وسلطاتها وأجهزتها لا يزال يعيد إنتاج السياسات والأدوات والرؤى السلطوية القديمة التى سادت طيلة عهدى السادات ومبارك، وفوضى مراحل الانتقال بعد 25 يناير 2011، وهو ما يعنى أن الذاكرة الدولتية مصابة بأعطاب مزمنة، ومن ثم لم تستوعب سياسياً واجتماعيا طبيعة ما حدث فى 25 يناير وما بعد، ومن ثم تعيد إنتاج مشكلات وأزمات الدولة فى التعامل مع المجتمع.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟