المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

التحول نحو ميلاد الفرد فى حياتنا

الخميس 16/يونيو/2016 - 11:08 م

هل هناك بوابات للأمل فى حياتنا المفعمة بالتوترات والعنف اللفظى والرمزى والمادى الذى يبدو ظاهراً فى مشاهد الحياة اليومية، وفى علاقات الأسرة والعائلة والزمالة وجماعات الرفاق؟

كل هذا الحزن العميق الذى يبدو فى ملامح الوجوه، وهذا التوارى للابتسامات والضحك الصاعد من أعماق القلب والذى يعبر عن الروح المصرية؟ هذا التراجع للنكات الساخرة التى تعكس النقد اللازع من أوضاع مختلة وعلاقات متهتكة، ومفارقات وتناقضات اجتماعية وسياسية تولد الضحكات، والكوميديا اليومية فى حياة المصريين التى تسرى عن الأرواح وتمدهم بفائض من الطاقة النفسية على تحمل عسر الحياة واحتقاناتها وتفاقمها، وتحولاتها السريعة؟ ما الذى أدى إلى تحول الكسل من ظواهر شخصية إلى حالة شبه عامة؟ هل هو غياب الطلب الاجتماعى والسياسى على العمل كقيمة وواجب ومسئولية؟ أم هو غياب لتكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة؟ هل الكسل ناتج عن عدم الكفاءة والتخصص والخبرة والعجز عن الأداء؟! أم يرجع على تخلف علاقات العمل، وانحطاط العقل والفكر والسلوك البيروقراطى والتكنوقراطى الذى يبدو من ضعف أداء بعض الوزراء واضمحلال الخيال وسطحية الرؤى؟ ما الذى يكمن فيما وراء هذا الاضطراب والسيولة فى العلاقات الشخصية والجماعية، وتهتك الأنسجة الاجتماعية، وتدهور أنساق القيم فى الأسرة، ومؤسسة الصداقة، وفى علاقات الجيرة؟ لماذا هذا العنف الصاخب فى الشارع، وفى قيادة المركبات العامة والخاصة، وتجاوز قانون المرور ..إلخ؟ حوادث المرور تبدو جنونية حيث يبلغ عدد القتلى 13 ألف قتيل سنوياً وأكثر من 40 ألفا من المصابين.

 

هل هناك إيجابيات فى احتمالات التطور الاجتماعى والسياسى كامنة فى الفجوة التى تتسع فى العلاقات بين الأجيال فى العمل، وفى علاقة الآباء بالأبناء؟ هل تحمل الأجيال الجديدة من البنات والفتيات حركية اجتماعية جديدة قادرة على إحداث تغيير عميق فى وضعية المرأة ومواجهة ذكورية الدولة والأسرة والمجتمع؟ بعض هذه الأسئلة تقود إلى بعض الإجابات، ولكنها تشير إلى بعض المخاضات التى تتشكل الآن فى النظام الاجتماعى والعلاقات بين المصريين بعضهم بعضاً، وبينهم وبين الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وهى تؤشر إلى بعض الإيجابيات التى ستحدث خلال الأجلين المتوسط والبعيد. ثمة مؤشرات على أن ثمة تخلخلاً فى البنى الاجتماعية البطريركية التقليدية والمحدثة، التى استقرت هرمياً من رأس الدولة والنخبة الحاكمة إلى الأجهزة البيروقراطية، والتى اعتمدت على أن رئيس الدولة ومراكز القوة حوله يسيطرون على مقاليد الأمور فى البلاد، ويحركون السلطات والمؤسسات، وذلك على نحو هرمى ومعهم كبار العائلات، والآباء الذكور الذين بيدهم سلطة التوجيه، والآخرون عليهم الامتثال أو القبول أو الطاعة هذا النمط البطريركى المحدث فى الدولة والتقليدى فى العائلة والأسرة- ومؤسساتها بدأ فى التآكل والتفكك، وذلك لعديد الأسباب على رأسها ما يلي:

 

ترييف الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، من خلال بعض مصادر تكوينها البشرى فى الإدارة الموظفون والعمالة غير الكفء -، وفى القيم الريفية التى تسيطر عليها، على نحو أدى إلى تراجع القيم الحداثية فى العمل وعلاقاته، ومن ثم أعيد إنتاج بعض القيم والمدركات الريفية لتسيطر على إدارة أجهزة الدولة. والأخطر تسكين الموظفين فى مناطقهم فى المدن المريفة والمحافظات وأجهزة الحكم المحلى - على نحو أدى إلى سطوة بعض الانحيازات العائلية والقبلية والأسرية، والانتماءات الأولية وإعادة إنتاجها فى علاقات العمل وبعض نمط تأدية الخدمات العامة لاسيما فى الأرياف، والمدن المريفة فى المحافظات، ومن ثم تحولت الدولة وأجهزتها والمدينة الحديثة من مركز التحديث والحداثة للإدارة وعلاقاتها وأدائها إلى نمط مُريف. أسهمت ثورة وسائل الاتصال ومواقعها الاجتماعية وعالمها الرقمى المتعدد إلى بناء قوة ضغط مؤثرة، وفى سرعة نقل الأخبار والمعلومات، وفى إشباع الرغبات فى التعبير عن الآراء، وفى بناء روابط من الصدقات الافتراضية، وإلى تشكيل مجموعات على الواقع الافتراضى ذات اهتمامات سياسية وفنية وأدبية ودينية ومذهبية... إلخ.

 

لا شك أيضاً أن ثمة انفراطا لعقد الدولة الأبوية والرعائية، ومعها على الصعيد الاجتماعى ذكورية العائلة والأسرة ونمط قيادتها الذكورى التقليدي، بل وتأنيث بعض الأسر المصرية. وثمة أيضاً تفكك فى الأنسجة الأسرية، وبروز تباينات بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة بين الأطفال والآباء والأمهات، ساعد عليه ثورة الهواتف الذكية، وغيرها من أدوات الثورة الرقمية، وامتدت إلى الآباء وأصبحت الأسرة فضاء لعوالم واهتمامات مختلفة وتوجهات متعددة ولغات وأوصافا ومعايير وإدراكات تبدو متباينة فى غالبها على نحو ساعد على بروز الخصوصيات الرقمية والشعورية لدى غالب مكونات الأسرة، ناهيك عن تداخل الجميع فى شبكات اتصالية متعددة والتحرك على مواقع سياسية وتكنولوجية وإباحية ودينية ومذهبية وعرقية وقيم متعددة على الصعد الإقليمية والكونية. كل هذه العمليات تساهم بقوة وحركية غير مسبوقة فى تشكل عمليات ميلاد الفرد المصرى – والعربى عموماً - وهو ما سوف يشكل نقلة نوعية أو ثورة هائلة وإيجابية تماماً فى تكوين مصر والعالم العربي، على الرغم مما يبدو من اضطراب وفوضى، وكآبة، وكسل، وعنف، وتفاهة فى مشاهدنا اليومية المضطربة، ثمة شيء إيجابى جاثم فى الأفق المصرى المضطرب، ويتحرك فيما وراء المخاض الكبير داخل السيولة والصخب الراهن. ظل الميلاد المتعثر للفرد كإرادة ومشيئة وخصوصية، أحد أبرز العوائق البنيوية والاجتماعية والثقافية، إزاء التطور نحو الفردية والتحول الديمقراطى وإصلاحات نوعية فى النظام الاجتماعي، وكرس ذلك انهيار مشروعات التصنيع والتنمية، إلا أن الثورة الرقمية، وتآكل سطوة الأبوية السياسية والاجتماعية تسرع الآن عمليات ميلاد الفرد كمدخل لإعادة بناء البشر الأحرار والمجتمع الحر.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟