المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

هيبة الدولة بين سيادة القانون وسلطة التقاليد

الخميس 28/يوليو/2016 - 02:01 م
لا معنى ولا وزن ولا سطوة ولا ردع للقانون إلا فى تطبيقه فى تفاصيل الحياة اليومية، وتنظيمه للسلوك الاجتماعي، ومساهمته فى تغيير منظومات القيم والتقاليد البالية التى اعتاد عليها المواطنون، لاسيما فى المناطق الريفية، وفى أوساط الشرائح الاجتماعية العريضة فى قيعان المدن المريفة وهوامشها العشوائية،

حيث تسيطر القواعد العرفية والقيم التقليدية والازدواجية فى السلوك، والأقنعة الدينية والمذهبية لتحولات التدين الشعبى ومعه تغلغل بعض المفاهيم والتأويلات السلفية الانتقائية للقيم والقواعد الدينية وتأويلاتها اللا تاريخية، التى تم بثها بين الجمهور الريفى وفى الهوامش الحضرية المشوهة، تحت حراسة بعض أجهزة الدولة منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق أنور السادات وإلى الآن، وذلك تحت سطوة وهم ساد فى النظام أن هذه الجماعات دعوية، ولا علاقة لها بالعمل السياسى المباشر، وأنها سند للنظام وداعم لشرعيته، لأنها لا تهتم سوى بدعوى المسلمين إلى القيم والسلوكيات الإسلامية الفضلى. وهو وهم لا يزال يخايل بعضهم فى جهاز الدولة وفى بعض مواقع القوة فى النظام، لأنهم يوظفون بعض كبار الدعاة فى أداء أدوار سياسية فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية الراديكالية، وأنهم يسدون فراغا لم يستطع الأزهر والأوقاف أن يملؤه فى ظل تراجع دور المؤسسة الإسلامية الرسمية، وعدم قدرتها على مواجهة الفكر الدينى المتشدد، أو التطرف العنيف وأشكاله المتعددة وعلاماته ورموزه، أو تجديد الفكر والخطابات الدينية الرسمية... إلخ. هذا الوهم السياسى والدينى تناسى أن هذه الجماعات استطاعت أن تتمدد داخل الأزهر والأوقاف، ومعهم الإخوان المسلمين لاسيما بين بعض الطلاب والأساتذة والدعاة. ان مواجهة الفكر المتطرف والعنيف يحتاج إلى سياسة دينية تميل إلى التجديد، وشحذ روح الاجتهاد الخلاق، والاستجابة إلى أسئلة اللحظة التاريخية فى العالم المتغير، وفى داخل المجتمع والدولة المصرية وفى الإقليم المضطرب. من ناحية أخرى أن تعى النخبة السياسية الحاكمة وأجهزة الدولة أن مواجهة التطرف تحتاج إلى حزمة متكاملة من السياسات.

إن أخطر ما فى نظرية ملء بعض الدعاة السلفيين للفراغات الدينية الرسمية، أنها أسهمت فى تمدد التطرف العنيف فى نعومة وبين عوام الجمهور فى الأرياف وفى الهوامش الحضرية المريفة والمشوهة حيث العشوائيات، ونقص الحاجات الأساسية للمواطنين المعسورين. هامشية دور الدولة وأجهزتها فى المجال الاجتماعى والتنموى والثقافى أدت إلى هيمنة الفكر الدينى المتشدد وتأويلاته التى تستعاد من بعض الموروث الفقهى التاريخي، وخارج سياقاته الزمنية والاجتماعية والمكانية، وذلك للسيطرة على الإيمان والوجدان الدينى وتوجيهه نحو أهداف الحركة السلفية والإخوانية، على نحو خلق لدى بعض العوام حالة من اللامبالاة بقانون الدولة وقواعده وعدم الثقة فى قدرته على حمايتهم وإعطائهم حقوقهم من خلاله، ومن ثم يميلون إلى الحلول المستمدة من بعض الأعراف السائدة فى كل منطقة وهو ما يؤدى إلى تطبيق قواعد تختلف عن قانون الدولة وإلى سلطة قضاء الأعراف المناهض للسلطة القضائية والمحاكم الرسمية. أشاع هذه المفاهيم ورسخها لدى العامة فى المناطق الريفية والحضرية المشوهة، الخطابات الدينية السلفية التى تشكك فى الشرعية الدينية للنظام القانونى الرسمي، وأنه مخالف لأحكام الشريعة من وجهة نظرهم، وأن العمل به واللجوء إليه يشكل خروجاً على أحكامها. . إلخ. هذا النمط من الأفكار والتأويلات الوضعية السلفية المتشددة أنتج فجوات إدراكية بين «المواطن» والدولة وسلطاتها. الأخطر أعطى لبعض الدعاة موقفاً ومكانة ونفوذاً خارج إطار السلطات والأجهزة الرسمية، ومن ثم منحهم هامش حركة وسط الجمهور لبث أفكارهم وبعضها ذو نزعة تكفيرية بامتياز وذلك على خلاف فقه الجمهور السني. من ناحية أخرى أشاعوا بعض الفتاوى القديمة حول زواج القصر والأطفال الذين لم يبلغوا السن القانونية للزواج، وتحايل بعض الآباء على القانون على نحو ما تم مؤخراً فى قرية المعصرة بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية حيث أقامت أسرتان حفل زواج طفل بالسنة الأولى بالمرحلة الإعدادية يبلغ عمره 12 سنة، وفتاة بالصف الخامس الابتدائى يبلغ عمرها 10 سنوات فى حفل عرس شاركت فى إحيائه فرقة موسيقية وثلاث راقصات وبعض المطربين الشعبيين ومئات من المدعويين، وذلك فى استعراضية مناهضة لقانون الطفل، ولأجهزة الدولة، واعمالاً لبعض الفتاوى السلفية عن جواز عقد الزواج فى هذه المرحلة العمرية لأطفال لم يبلغوا النضج العاطفى والجسدى والعقلى الذى يسمح لهم بحرية الاختيار. وهو أمر يشكل خطورة كبيرة على مستقبل كلا الطفلين، وانتهاكاً صارخاً لقانون الدولة ولا مبالاة بأجهزتها الرسمية. الدولة عليها أن تطبق القانون ومساءلة آباء وأمهات الطفلين، لأننا إزاء عنف مورس على طفلة صغيرة لا تتعدى العشر سنوات، والأخطر هذه الأفكار الذكورية السلفية الريفية التى لا تحترم قانون الطفل، وضرورة مواجهة فكر وفقه محافظ وعنيف لهذه الجماعات ودعاة الطرق من السلفيين وغيرهم.

من هنا مواجهة هؤلاء الغلاة وتطرفهم العنيف وتطبيق القانون بحزم وحسم عليهم هو الخطوة الأولى فى استعادة هيبة الدولة فى الوعى الجمعى للمصريين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟