المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

لتعمل الدولة كدولة وليست كنظام!

الخميس 10/نوفمبر/2016 - 02:25 م
هل تعتمد الدولة أياً كانت على سلطة واحدة من سلطاتها أو أجهزتها فى إدارة شئون البلاد؟وهل تعتمد بقية السلطات على رؤية تفرضها إحدى سلطاتها على السلطتين الأخريين؟ هل تضرب إحدى السلطات مبدأ الفصل المرن والتعاون بين السلطات كإحدى ركائز ديناميات الدولة الحديثة؟ هل يمكن إقرار سياسات اقتصادية واجتماعية صعبة دون مشاركة سياسية واسعة، ومجال عام سياسى مفتوح، وحريات عامة وشخصية نص عليها دستور البلاد أياً كان الرأى فى بنيته ونصوصه وواضعيه؟ هل يمكن تطبيق سياسات نيوليبرالية محافظة ينوء بحملها شعب/ أمة غالبيته الشعبية تعانى من عسر الحياة وقسوتها دون حريات سياسية، والحق فى نقد سياساتها وقراراتها التى تمس نمط حياتهم عند الحافة؟ الإجابات على الأسئلة السابقة هى لا جهيرة لا لبس فيها، لأن مفاهيم الدولة الأوتوقراطية والشمولية ودولة حكم الفرد والتسلطية، أو السلطة الواحدة انتهى زمنه منذ عديد العقود، وخلف وراءه فى تاريخ التجارب المقارنة الفشل الذريع، وانتهى إلى تدمير عافية وحيوية ثقافات تحت وطأة الديكتاتوريات والشموليات، والتسلطيات والأوتوقراطيات، وتحولت هذه الثقافات الحية إلى قيم الخنوع والامتثال والخوف، والكراهية، وانكسار الموحدات القومية والوحدة الوطنية، وتحولت حياتها إلى صراعات وعنف داخل بنية المجتمعات، واضطراب نمط حياتها، والأخطر فقدان الآمال فى التغيير والتحول الاجتماعى إلى الأفضل والأحسن، وفى الحراك الاجتماعى لأعلى، وانتهى الوضع إلى الخلط بين الدولة والنظام المستبد والتسلطى والفردى فى غالب مستويات الوعى الاجتماعى الفردى والجماعي، ومن القبول بمعنى الدولة كرمزية متعالية على أركانها ومكوناتها وسلطاتها وأجهزتها، إلى تمدد الكراهية شبه الجماعية للدولة كفكرة ومعنى ورمزية ومعها النظام والسلطة والنخبة الحاكمة، ومن الخنوع إلى عدم الامتثال الباطنى واللامبالاة الظاهرية الذى يأخذ أشكالا سلوكية من عدم الاحترام، واللامبالاة بها وبقوانينها وسلطاتها، ومشاركة «شبه المواطنين» فى فرض قوانين الواقع فى تنظيم أمور معاشهم وفساد بعضهم الذى حولته بعض مكونات النخب الحاكمة والمعارضة إلى فساد هيكلى فى بنية الدولة وأنسجتها وأجهزتها، ثم تحوله إلى شبكات فساد وظيفى داخلها، وتمدد هذه الظواهر الوبيلة إلى فساد مجتمعى يفرض قوانينه وقواعده وأسواقه فى تعامل «شبه المواطنين» مع بعضهم بعضاً إلى تعاملهم مع شبكات الفساد فى الوظيفة العامة، وفى إطار القطاع الخاص، وقواعد السوق وقوانينه. الأخطر غياب إرادة سياسية حاسمة فى التصدى لهذه الشبكات فى الدولة لتعطى لأى سياسة مضادة للفساد المجتمعى شرعيتها السياسية والاجتماعية والرمزية. لا يمكن لمبدأ الفصل المرن بين السلطات أن يعمل إلا فى إطار الرقابات المتبادلة وألا تنفرد السلطة التنفيذية بفرض سياساتها القاسية فى الاقتصاد على الأغلبيات الشعبية - وليس الأثرياء فقط من المستفيدين منها - دون أن يشارك البرلمان رقابياً وبفعالية فيها، لاسيما أن النخبة الحاكمة لا ترتكز على ظهير سياسى واجتماعى من الأغلبية الشعبية، يدعمها ويضفى على سياستها الشرعية، لغياب دعم لها من حزب سياسى واضح المعالم والبرامج الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية، بحيث يكون تحت رقابة الأغلبية الشعبية وقواعده الاجتماعية التى يعتمد عليها فى الوصول إلى الأغلبية البرلمانية. من هنا وصلنا إلى حالة ضعف الأحزاب السياسية وهزالها، وبرلمان واهن، يفتقر إلى عديد الكفاءات والخبرات السياسية أو القانونية أو الفنية - إلا قليلاً ومن ثم يبدو غائباً عن القرارات الاقتصادية الأخيرة على خطورتها اجتماعياً، وأمنيًا فى سياق حرج ومضطرب إقليمياً، ومن ثم لا نجد لديه رؤية لسياسة تشريعية كلية تنطلق من خلالها ممارسته لمشروعات القوانين المقدمة من السلطة التنفيذية، أو الرقابة عليها وفق الأدوات الدستورية المقررة. البرلمان دوره بات إقرار هذه المشروعات بقوانين غالباً، وإدخال بعض التعديلات الجزئية المحدودة عليها، أو قيام بعض أعضائه بإطلاق تصريحات صاخبة وزاعقة تنبو عن الذوق اللغوى السليم أو العقلانية السياسية أو الفهم العلمى للأمور فى تخصصاتها المختلفة، ولو عند الحدود الدنيا. من هنا نجد بعضهم يركز على الانطباعات السريعة، والملاحظات المثيرة التى تكشف عن السطحية، وأحياناً الرعونة والعفوية وبعضهم لا يرتدع بردود الأفعال العنيفة من الرأى العام، والأخطر لا يجد هؤلاء ردعاً من البرلمان ومحاسبتهم. بعضهم يضفى مزيداً من السلبية على صورة البرلمان لدى الرأى العام المصري، ومن ثم يشكلون عبئاً عليه، بل وعلى النظام السياسى كله ويسهمون فى إشاعة روح الغضب، واللامبالاة على نحو يسهم فى إضعاف «شرعية البرلمان الجماهيرية». من هنا إذا استمر هذا الأداء الذى يفرضه مستوى تشكيلة البرلمان الضعيف فى أدائه الرقابى والتشريعى إزاء السلطة التنفيذية فسوف يغدو أحد أسباب التوترات السياسية فى البلاد، بكل انعكاساتها على الاستقرار الأمنى النسبى فى ظل أزمات اقتصادية هيكلية، وتوترات اجتماعية متنامية، وعمليات إرهابية تظهر بين الحين والآخر، وتربص من بعض الجماعات السياسية الدينية داخلياً وخارجياً! ثمة غياب خطير لرؤية وسياسات تنموية مدروسة لدى السلطة التنفيذية، اعتمدت على حوار مجتمعى رصين يضفى عليها الشرعية، والحاضنة الاجتماعية التى تعتمد عليها سياسياً ومن ثم اتسمت أداءاتها بالاضطراب وعدم الاستقرار الذى يتجلى فى سياساتها الداخلية والخارجية، حيث يغيب الخيال السياسى المبدع والخلاق، الذى يستفيد من الفجوات فى بعض الأدوار والسياسات الإقليمية على نحو يعظم من مكانة مصر الإقليمية المتراجعة، ويسهم بفعالية فى المناورة السياسية التى تدعم رؤية تنموية جادة تتفق مع مصالح الأغلبية الشعبية والفئات الوسطى، حتى فى ظل ليبرالية اقتصادية ذات وجه إنساني، وليس نيوليبرالية محافظة ومتوحشة، والأخطر أنها تجرى لمصالح قلة عند قمة النظام الاجتماعى لا تريد أن تسهم بفعالية ورشد فى دعم اقتصاد بلادها، إلا من خلال رأسمالية المحاسيب، ودعه ينتهز الفرص، دعه يمر والأخطر.. الأخطر ليبرالية اقتصادية متوحشة بلا ليبرالية سياسية ومجال عام مفتوح! لا يمكن أن تستمر الأوضاع هكذا وإلقاء كل التبعات على الأجهزة الأمنية، لأن الحلول الأمنية هى جزء من حزمة سياسات متكاملة، والتجارب أثبتت أن الأمن والاستقرار هو نتاج السياسة أساسًا! فلا أمن بلا سياسة، ولا استقرار بلا رؤية وسياسات تتحيز فى أعبائها على القادرين أساساً، وبعضها على الأغلبية الشعبية! والحوار العام، والشفافية وحقائق الأوضاع الخطيرة والمختلة هيكلياً للاقتصاد، وضرورة توزيع أعباء ما يسمى بالإصلاح الاقتصادى على نحو عادل بين القادرين والأغلبيات الشعبية والفئات الوسطى الصغيرة والمتوسطة، لأن الشعور بالأخطار إلى جانب إشاعة حسُ العدالة فى تحمل الأعباء هو طريقنا للصمود أمام الوضع الاقتصادى والاجتماعى الخطير. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟