المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الفوضى الطليقة والهيمنة المقننة!

الخميس 10/نوفمبر/2016 - 02:26 م
استطاعت موجات العولمة المتدفقة بأبعادها الاتصالية والسياسية والاقتصادية والثقافية أن تحجب عنا حقيقة أساسية مبناها أنها فى الواقع كانت تعبيرا بليغا عن فوضى العالم التى بدأت أساسا بعد انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفيتى عام 1989. 

وبالرغم من أن عوامل انهيار الاتحاد السوفيتى رصدها عديد من المفكرين السياسيين منذ حقبة طويلة إلا أن أحدا لم يتوقع على الإطلاق أن تنهار الإمبراطورية السوفيتية التى كانت تتقاسم الهيمنة العالمية مع الولايات المتحدة الأمريكية هذا الانهيار المروع. 
وللأمانة العلمية نقول إن باحثة فرنسية شهيرة هى «آنكوس» فى كتابها «انهيار الإمبراطورية» هى الوحيدة التى تنبأت بانهيار الاتحاد السوفيتى قبل انهياره بسنوات. 
ومما لا شك فيه أن موضوع انهيار الإمبراطوريات شغل بعض كبار المفكرين الاستراتيجيين فى الثمانينيات من القرن الماضى وعلى رأسهم المؤرخ الأمريكى الإنجليزى «بول كنيدى» الذى كان مساعدا للمفكر الاستراتيجى الشهير «ليدل هارث» فى كتابه الرائد الذى أثار ضجة كبرى فى دوائر واشنطن الرسمية وعنوانه «صعود وسقوط القوى العظمى». وذلك لأنه بناء على القانون العام الذى صاغه والذى مؤداه «إذا فاقت الالتزامات الاستراتيجية للإمبراطورية قدراتها الاقتصادية فإنها لابد أن تسقط» وبناء على ذلك تنبأ بسقوط الإمبراطورية الأمريكية وذلك فى الأجل المتوسط. 
غير أنه خلافا لهذا القانون الذى صاغه «كنيدى» بصورة قاطعة مطلقة فقد أثبت انهيار الاتحاد السوفيتى أن الإمبراطورية يمكن أن تسقط لأسباب أخرى أخطرها جميعا -بالإضافة إلى الشمولية كنظام سياسى وما يؤدى إليه من احتكار القلة للحكم وشيوع الديكتاتورية وقهر الجماهير- هو الجمود السياسى الذى لابد له أن يقضى على أى إمبراطورية مهما بلغت قوتها العسكرية أو هيمنتها الدولية. 

وقد قدم السياسى والأكاديمى السوفيتى الشهير «جورجى أرباتوﭪ» فى كتابه الفريد «النظام» «The system” تشريحا نادراً لمظاهر الجمود السياسى الذى ساد الحكم فى الاتحاد السوفيتى وخصوصاً فى عهد الرئيس “برجنيف” الذى حكم لمدة ثمانية عشر عاما متصلا أصيب فى أواخرها بأمراض متعددة جعلته يتحرك وكأنه جثة جامدة مما جعل الحلقة الضيقة من النخبة الحاكمة السوفيتية تنفرد باتخاذ القرارات السياسية ليس لمصلحة البلاد، ولكن لضمان استمرار نفوذها السياسى وامتيازاتها الطبقية. 
من هنا يمكن القول إن بداية عصر الاضطراب العالمى تمثلت أساسا فى انهيار الاتحاد السوفيتى، والذى فتح الباب أمام ضروب متعددة من الفوضى السياسية والاجتماعية والثقافية والتى سادت مختلف بلاد العالم والتى حاول مهندسو العولمة –إن صح التعبير- تنظيمها بالاستعانة بالثورة الاتصالية الكبرى والتى تتمثل فى البث التليفزيونى الفضائى، وأهم من ذلك اختراع شبكة “الإنترنت” وذلك لتوحيد صفوف العالم صفوفه التى بعثرها انهيار الاتحاد السوفيتى عن طريق العولمة والتى هى –كما عرفتها فى صياغة إجرائية- هى “تدفق رؤوس الأموال والسلع والخدمات والمعلومات بل والبشر بين دول العالم بغير حدود ولا قيود”. 
وهكذا تحول النظام الدولى –سياسيا- من نظام ثنائى القطبية تتنافس فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى إلى نظام أحادى القطبية أدى فى فترة قصيرة إلى بروزها باعتبارها إمبراطورية كونية بحكم انفرادها باتخاذ القرار الدولى حتى ضد إرادة الدول الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن. كما حدث فى قرار غزوها الإجرامى لدولة العراق والذى رفضت هذه الدول المصادقة عليه. ومن هنا يمكن تلخيص الحقبة من عام 1989 -تاريخ انهيار الاتحاد السوفيتى- وعام 2001 حين وقع فى شهر سبتمبر من هذا العام الهجوم الإرهابى الذى وجه ضرباته إلى مواقع القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى الولايات المتحدة الأمريكية أنها كانت حقبة التشكل الإمبراطورى الأمريكى، بعد أن خلت الساحة من القوة الدولية المناوئة وهى الاتحاد السوفيتى. 
ويمكن القول إن الأحداث الإرهابية التى وجهت ضد الولايات المتحدة الأمريكية فى سبتمبر 2001 أعقبها فورا الإعلان شبه الرسمى عن قيام الإمبراطورية الأمريكية بعد أن أعلن الرئيس السابق “جورج بوش” حربه الشهيرة ضد الإرهاب الذى لا يحدد زمان أو مكان، وحق الولايات المتحدة الأمريكية فى شن الحرب على خصومها. وهكذا قرر الغزو العسكرى لأفغانستان لإسقاط نظام طالبان، وأتبع ذلك بالغزو العسكرى لدولة العراق بزعم أن النظام العراقى يمتلك أسلحة دمار شامل ولن يكن هذا صحيحاً. 
وهكذا يمكن القول إن العالم تحول فى سنوات قليلة منذ عام 1989 من الفوضى الطليقة إلى الهيمنة المقننة والتى صاحبتها الانقلابات الكبرى التى أحدثتها العولمة وخصوصا هيمنة الدول الكبرى، وخصوصا باستخدام “منظمة التجارة العالمية” على الاقتصاد العالمى أضف إلى ذلك البنك الدولى وصندوق النقد الدولى. 
غير أن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية المقننة سرعان ما انهارت عام 2008 حين ضربتها الأزمة الاقتصادية الكبرى التى كادت تؤدى إلى إعلان إفلاس الدولة الأمريكية لولا أن الرئيس “أوباما” ضخ أكثر من 600 تريليون دولار من أموال دافعى الضرائب حتى ينقذ البنوك والشركات والمؤسسات الأمريكية الكبرى من الإفلاس. وهكذا سقط نموذج “الليبرالية الجديدة” التى أرادت منه الولايات المتحدة الأمريكية أن تحكم العالم اقتصاديا وذلك لسبب بسيط مؤداه أن الرأسمالية كنظام اقتصادى يحرم تحريما تاما تدخل الدولة فى الاقتصاد. 
ولكن بعد أن تدخل “أوباما” لإنقاذ الاقتصاد الأمريكى وظهور أن تدخل الدولة أصبح أمرا حتميا فإن السؤال الحائر الذى لم يستطع جهابذة الاقتصاد الرأسمالى الرد عليه تدخل الدولة نعم ولكن إلى أى مدى؟ 
حتى الآن لم يعثر المنظرون الرأسماليون على إجابة شافية. وقد سبق لى أن عبرت عن رؤيتى للتغيرات العالمية الكبرى التى بدأت أساسا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى كتابى الذى صدر عام 2003 بعنوان “الحرب الكونية الثالثة عاصفة سبتمبر والسلام العالمى” وذلك فى مقدمة الكتاب والتى أعطيت لها عنوانا هو “من الفوضى الطليقة إلى الهيمنة المقننة”. 
وكنت أقصد مرحلة الفوضى التى أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتى وتحول دول أوربا الشرقية التى كانت تدور فى فلكه وتحكم بأنظمة سياسية شمولية على الطريقة السوفيتية إلى نظم ديموقراطية، وما صاحب الخروج من دائرة النفوذ السوفيتى من ثورة الأعراق وتصاعد صيحات عديد من الملل مطالبة بالحكم الذاتى، وبروز الدعوات للحفاظ على الخصوصيات الثقافية بعد أن حاولت النظم الشمولية القضاء عليها. 
غير أن هذه الهيمنة المقننة لإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية انتهت كما أشرنا بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية فيها وسقوط النموذج الرأسمالى الكلاسيكى. غير أن أهم من ذلك كله الهجوم الإرهابى الذى وقع فى سبتمبر 2001 والذى أدى إلى اشتعال الحرب الثقافية بين الغرب من ناحية والعالم الإسلامى من ناحية أخرى. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟