المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

ثقافاتنا العربية: من نفى الإنسان إلى تحريره

الثلاثاء 28/فبراير/2017 - 01:15 م
حالة الإقليم المضطرب ونزاعاته وحروبه الأهلية وتمدد الكراهية، ورفض الآخر الدينى والمذهبى وحروب الخطابات الإرهابية الساخنة،
كلها تشير إلى أزمات وإشكاليات بنيوية فى الأنساق الثقافية العربية الرئيسية ومكوناتها الداخلية، والتى تتمثل فى حصار الإنسان العربى وقمعه وترويضه، وكبح حرياته الداخلية والعقلية والسلوكية فى معتقلات روحية وجسدية مشدودة إلى الماضويات الوضعية ومواريثها الفكرية والروحية والدينية والسلطنة السياسية فى الحكم.

إنسان محاصر وروح معتقلة وعقل مغيب ومصادر لصالح تأويلات وضعية دينية ومذهبية مستبدة، يحاول بعضهم أن يجعلها ديناً وضعيا من دون الدين فى أصول وروحه السمحاء، وقيمه العليا، وموجهاته الحسنة للسلوك الإنسانى. ثمة نزعة تسلطية لدى بعض المؤسسات والجماعات السياسية الدينية والمذهبية ترمى إلى تنميط الفكر والروح والسلوك للإنسان العربى، وتحويله إلى أداة طيعة تخدم مصالح هذه الأنظمة والجماعات الدينية السياسية الراديكالية التى تصارعها على إحلال استبداد وتسلط ثيوقراطى على مثالها، وتحويل حياة الإنسان العربى إلى جحيم أرضى يتشكل من الخوف والعذاب النفسى، والخواء الداخلى.

إن محفزات ومحركات العنف والكراهية والزعر والرعب والخوف، شكلت حالة انكشاف كبرى وواسعة للثقافات العربية على تعددها فى مكوناتها وتنوعها، أنها ثقافة لا تحفل إلا قليلاً بالإنسان وروحه وحرياته وأفكاره وسلوكه وتتعامل معه على أنه محضُ مادة رخوة يسهل صياغتها وتشكيلها فى قوالب نمطية غالبة، تتحرك بلا وعى وبلا عقل.

ثقافة قمعية، وبيئات تصادر الحريات والتجارب الخاصة، وتغتال الخصوصيات، وتحرض على التنصت، والنميمة والغلظة. من هنا كشفت الحروب الأهلية والمذهبية وصراعات الفتاوى والتأويلات وحروبها الساخنة عن سعى محموم لمصادرة الإنسان العربى. من هنا فقدت الثقافات العربية قدراتها – إلا استثناء - على مواجهة ذاتها وأسئلة عصورها المتغيرة، والعجز عن الدفع نحو تحرير الإنسان العربى المهدور. اللحظة التاريخية الراهنة وما بعدها ستشهد انهيارات لأبنية لغوية وتأويلية ودينية ومذهبية وضعية، ولعقول وأجيال وأفكار وقيم وأساليب تنشئة لم تعد قادرة على مواجهة واقع جديد، وعوالم ولغات وطرائق تفكير رقمية هادرة وعاصفة بالتغيرات ودافعة للتحولات وبدأت آثارها تبدو الآن فى فجوات الأجيال التى تتسع، وتمدد الفعل الرقمى فى الفعل الواقعى وتحريكه. فى ظل الأوضاع المضطربة الراهنة والحروب الأهلية، والدمار وانهيار الدول والأنظمة، والهجرات القسرية، وانتشار مجتمعات اللاجئين على الحدود بين الدول العربية، ودول الجوار الجغرافى العربى، هل تترك الثقافات العربية، ومبدعوها وناشطوها وجماعاتها الطوعية، وسياساتها الثقافية الرسمية – إن وجدت لدى بعض الحكومات والأنظمة – ملايين اللاجئين أسرى الخوف وصراعات الهوية، وانشطارات الوجدان، وتشظى المخيلات الشخصية والإنسانية، والارتهان للكراهية والخوف داخل مجتمعات الإيواء، وأسرى التسرب من التعليم الردئ الذى غادرته الثقافة والإبداع؟ إذا كانت الثقافات العربية تنفى الإنسان، وتستلبه، إلا أن بعض المبدعين، والكتاب، والفنانين، والجماعات الثقافية الطوعية، والشبكات الثقافية على الواقع الرقمى يمكن أن تغادر لحظة الاغتراب، والنفى الثقافى إلى الوجود الفعال والفكر النقدى واكتشاف الذات والحركة المبدعة والخيال الخلاق من خلال جسور المساعدة للإنسان العربى اللاجئ قسريا على مستوى تطوير المفاهيم التعليمية.

من خلال مبادرات تقدمها بعض الجماعات الثقافية الطوعية، سواء بالانتقال إلى مواقع مخيمات اللاجئين فى الأردن، وسوريا والعراق واليمن وليبيا، سواء داخل هذه البلدان، أو فى تركيا وإيران، أو البلدان المضيفة. من ناحية أخرى تقديم ذلك من خلال الواقع الرقمى والفعلى معاً، وذلك على النحو التالى:

1- قيام بعض المثقفين أو الفنانين أو الروائيين والموسيقيين بتقديم مبادرات منتظمة لذهاب فرق موسيقية وغنائية، وورش أدبية وموسيقية، ومختبرات للرسم والنحت إلى المخيمات فى كل دولة، وتقديم أعمالهم للأطفال والشباب والكبار، ومحاولة اكتشاف المواهب.

2- البحث عن تمويل عينى من بعض المنظمات الدولية والإقليمية العربية ورجال الأعمال من خلال تقديم الألواح الرقمية مجانا للأطفال والشباب وبعض الأدوات الموسيقية لتشكيل فرق داخل مجتمعات اللجوء القسرى.

3- إقامة ورش تدريب وعمل لبناء كوادر من شباب اللاجئين تعقد داخل هذه المجتمعات أو خارجها.

4- يمكن لوزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع بعض المنظمات الطوعية الثقافية والفنية القيام ببعض الحفلات، وورش العمل فى داخل مصر، للمهاجرين السوريين والعراقيين، وفى الأردن ولبنان..الخ بالاتفاق مع حكومات الدول الشقيقة، وهو ما يولد هامش حركة ثقافى ودينامى لمصر فى إقليمها العربى.

لا ينبغى لنا ترك الإنسان العربى اللاجئ رهينة الأفكار المتطرفة، أو الإرهابية، أو ثقافة الكراهية والعزلة والمذهبية، وذلك أمر يسهم فى تحرير الثقافات العربية من معتقلاتها، ويجعلها تنفتح نحو التعدد والحرية والآخر وبناء العقل النقدى، من خلال تحرير الإنسان المقموع.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟