المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

السيد يسين: ثنائية الفكاهة والبهجة الساخرة

الأحد 12/مارس/2017 - 02:38 م
الشيخ الأكبر أستاذنا الجليل السيد يسين النموذج المتفرد للمثقف والمفكر فى جيله الذى شهد عهودا من التغيرات العاصفة، والتحولات النوعية فى النظام الدولي، وفى البيئة الإقليمية التى شهدت حركات الاستقلال والتحرر الوطني، وبناء الدولة، وعصف الأيديولوجيات وسردياتها الكبرى، والانتقال من فائض المرحلة شبه الليبرالية المترع بالحريات الفكرية والأكاديمية،
حيث الجامعة وطن الثقافة وفق سلامة موسى إلى السلطوية. باحث كبير استوعب فى عمق مسار التحولات البنائية، والانتقال إلى التسلطية السياسية والدينية وأشكال القمع والمعتقلات الفكرية، والسلفيات الفكرية لدى جميع مدارس الفكر والعمل السياسي، حيث الجمود، وبدء مظاهر التسطح وتشكل العقل ذى البُعد الواحد إذا شئنا استعارة شطر من عنوان هربرت ماركوزة الإنسان ذى البُعد. الواحد عصر أدلجة السرديات الكبرى، واللغة الخشبية، والشعارات الخاوية، تعامل معه بذكاء من خلال المناهج النقدية والتاريخية، التى تحلل البناء الأيديولوجى وحكاياته وسروده، وأساطيره المجنحة ورمزياته، ونقد أبعادها المفارقة للواقع الموضوعى الحي، وساعده على ذلك دراساته فى سوسيولوجيا القانون، والمزاوجة بين الوظيفية والماركسية، وعلم اجتماع المعرفة، على نحو استطاع معه النجاة من وهدَّة الأيديولوجيا الصاخبة، إلى مناطق القلق الفكرى الخلاق، واستطاع ببراعة أن يجد مسارًا مغايرًا يحقق له الاستقلالية والقدرة على إبداع هوامش خاصة فى المناورة السياسية مع صرامة الضغوط التى فرضت على الباحثين والمفكرين والمثقفين، وأضاعت بعضهم، واستطاع آخرون أن يمارسوا لعبة المناورة الذكية لكى يستطيعوا إنجاز مشروعهم الفكري، ويطوروه مع مواكبتهم للتغيرات فى النظرية الاجتماعية والثقافية والقانونية. مارس الشيخ الأكبر لعبته بذكاء وحذق لحماية فكره المستقل ودوره فى بناء المؤسسات الوطنية، على الرغم من العقبات البيروقراطية والسياسية، وهيمنة التفاهة والسطحية والجهالة فى بعض مكونات الفكر النخبوى المسيطر الذى أراد ولا يزال استبعاد وسحق العقل النقدي، وروح الفكر الإبداعي، وتنميط العقل العام. إن أهمية السيد يسين وزملاء، وتلامذة له، تبدو فى عدم إنصاتهم للطبول الجوفاء والثرثرة وخطابات اللغو السياسية فى الحكم أو لدى غالبُ المعارضات، بل ونقدها فى موضوعية صارمة. كان ولايزال تحليله وخطابه النقدى الاجتماعى والمعرفي، يتعامل من منظور تاريخى مقارن مع جذور الجمود والتكلس والموات فى الخطابات الأيديولوجية المفارقة للواقع الموضوعى والمعزولة عن تدفق التغيرات فى بُنى الدولة والمجتمع والإنسان وأنماط علاقاته ومنظومات قيمه وإعاقات تطوره نحو الفرد والفردانية، أساس أى تطور ديمقراطى وتنموى جاد وبناء فى مصر.

لم تكن لعبة المناورة الذكية من الشيخ الأكبر وعديد من المفكرين من أبناء شبه الليبرالية المصرية، ترمى إلى مواكبة التسلطية السياسية وأجهزتها، أو الحصول على منافعها وعطاياها، وإنما لحماية المشروع الفكرى والمؤسسة البحثية - مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية -، وإنما ظل نزيهًا وناصع الوجه والروح ونظيف اليد الكريمة، ولم يأبه كثيرًا بهؤلاء الذين صالوا وجالوا من أجل الحصول على المكاسب، وظل بعيدًا عن الثروة وغواياتها، والسلطة وجاذبيتها فى مجتمع سياسة اللاسياسة وموت السياسة. حافظ على استقامته وطهارة يده فى بيئات من الفساد السلطوى الذى امتدت بعض مكوناته إلى بعضهم فى الجماعة الأكاديمية وفى بعض أوساط المثقفين. ويمكن القول إن أهم ملامح التكوين المعرفى والثقافى للشيخ الأكبر تتمثل في:

1- استيعاب تجارب ونماذج كبار المثقفين والمفكرين المصريين فى تكوينهم متعدد المصادر المعرفية فى العلوم الاجتماعية لاسيما الفلسفة، والأدب العربى والإنجليزي.

2- تمثل الحس النقدي، والممارسة التحليلية للواقع الموضوعي، وعدم الانسياق الكامل للممارسة النظرية والتطبيقية الغربية، وذلك لمفارقتها فى بعض مكوناتها للأبنية والسياقات الوطنية والمحلية وتفاعلاتها وظواهرها.

3- إيلاء عناية خاصة بالتخصص العلمى الدقيق حتى يمكن إنجاز دراسات وبحوث عميقة نظريًا وتطبيقيًا، ومن ثم إنتاج تراكمات تؤدى إلى بناء مكانة داخل الجماعة الأكاديمية.

4- ضرورة المشاركة فى الحوار والجدل والسجال العام، وفى الإطلالة على الجماعات القرائية من المثقفين، لإحداث تفاعلات معهم، والسعى إلى تطوير الجماعة الثقافية المصرية والعربية، من خلال المشاركة فى مجلة الكاتب، وصحيفة الأهرام، والمستقبل العربى وبعض الصحف العربية والمؤتمرات العلمية والتظاهرات الثقافية فى مصر والعالم العربي.

الشيخ الأكبر الحس الإنسانى الرفيع لديه، يجعله يتسم بالحدب الشديد على الباحثين الذين يعملون تحت قيادته، ولا يبخل عليهم بالمعرفة والخبرة وينمى لديهم الكرامة والكبرياء الشخصى وحس التواضع العلمى المترع بالكبرياء والترفع عن الصغائر والدنايا. يمدهم بالتشجيع والثناء على العمل الجاد الذى ينجزونه.

متع الله الأستاذ الأكبر بالصحة والعافية وعنفوان المقاتل الشرس من أجل التنمية والحرية والاستقلال ومستقبل مصرى وعربى واعد ومشرق.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟