المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

تجريف وترييف النخب المصرية

الأربعاء 26/أبريل/2017 - 11:04 ص

ما سر هذا التدهور الخطير فى نوعية ومستويات النخب السياسية والثقافية والفنية والدينية فى مصر، وغالب الدول والمجتمعات العربية! لا يحتاج المراقب الحصيف النابه كبير عناء أو تدبر أو فحص كى يكتشف هيمنة الرداءة، وتدنى الخطابات السياسية والدينية والثقافية الشفاهية، أو التلفازية أو المقروءة التى يطرحها علينا غالبُ من يسيطرون على سوق إنتاج الخطابات المتنافسة أو المتصارعة فى عديد الأسواق والحقول من هم فى الحكم ويمسكون بمقاليده وأجهزته القمعية والأيديولوجية والاقتصادية والتعليمية ومن هُم خارجه... إلخ!

لا تحتاج إلى استخدام الآلة البحثية فى كل تخصص وحقل كى تتبين حجم الكارثة الكبرى التى تعاني منها وأنها ستتفاقم، وأن تغيير بعضُ هؤلاء بآخرين قد لا يؤدى إلى وقف التدهور السريع! فى عديد المجالات، خذ على سبيل الأمثلة السريعة: مستوى تكوين رموز «دولة التلاوة المصرية» رفيعة المكانة والمقام من المشايخ على محمود، محمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، وطه الفشنى ومحمد صديق المنشاوي، ومحمود خليل الحصري، وعبد الباسط عبد الصمد، وعبد الفتاح الشعشاعي، وكامل يوسف البهتيمي، ومحمود على البنا، وسيد النقشبندي، وآخرين وقارن بين قيثارات السماء الصادحة بالنص المقدس، وبين نظرائهم مصريا وعربى منذ عقد السبعينيات وحتى الآن! تباين كبير فى مستويات وجماليات الأصوات وإتقان النطق باللغة المقدسة والمتعالية، ومدى المعرفة بالمقامات الموسيقية كما كان يعرفها تكوينًا وممارسة وأداءً بديعًا ورفيعًا يحاول الوصول إلى أعمق أعماق النص الإلهي. خذ الخطابات السياسية والدستورية والقانونية التى كانت تطرح فى السجالات البرلمانية من بعض أعضاء التشكيلات النيابية فى أثناء ممارستهم صلاحياتهم الدستورية فى ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، أو فى مبادراتهم بمشروعات القوانين أو مناقشتها من حيث الشكل والمضمون والآليات والصياغة الفنية فى ظل المرحلة شبه الليبرالية وفوائضها بعد نظام يوليو 1952 حتى أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي، وقارن بين مضابط هذه المراحل المختلفة وستكتشف فى يسر أن لا مجال للمقارنة! من حيث النوعية، ولغة الخطاب! خذ على سبيل المثال أيضًا التدهور المستمر فى نوعية أداء أعضاء البرلمان فى عهدى مبارك، والإخوان والسلفيين، وما بعد 30 يونيو، حيث الانهيار فى مستوى الأداء والمعرفة بالاختصاصات وأداء الأدوار الرقابية أو التشريعية، ناهيك عن تصريحات بعض أعضاء البرلمان الصادمة فى الشأن العام، والتى ينطوى بعضها على التمييز الديني، أو التحيز ضد حقوق المرأة، أو الآراء الانطباعية الساذجة فى قضايا ومشكلات تحتاج إلى الحد الأدنى من التخصص والمعلومات والمعرفة بجذورها، وتطوراتها، ومع ذلك لا يتورع بعضهم عن إبداء هذه الآراء التى تساهم فى إشاعة الصور السلبية عن البرلمان وتكوينه وأداء بعض أعضائه!

المسألة لا تقتصر على نوعية الأشخاص، أو الخطابات، والأداء، وإنما تمدد إلى التكنوقراط والبيروقراطية المصرية العريقة التى انهارت مستويات تكوينها وسلوكها، ونوعية فساداتها الوظيفية، وعبثها بالقوانين واللوائح!

قارن كتابات بعض رجال الأزهر ومشايخه الكبار من المجددين خليفة المنياوي، ومحمد عبده، ومصطفى المراغي، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمود شلتوت، ومحمد عبد الله دراز، بل وبعض المحافظين البارزين مولانا محمد الخضرى بك، ومدرسة الشريعة فى كلية الحقوق جامعة القاهرة والمشايخ أحمد إبراهيم، وعبد الوهاب خلاف، ومحمد أبو زهرة وقارن بين مستويات ومؤلفات هؤلاء الكبار ... الكبار مجددين ومحافظين، وبين أجيال العقود الخمسة أو الأربعة الآخرين من القرن الماضي، والاستثناءات قليلة. يبدو لى أن وراء هذا التدهور فى النوعية والمستوى، تعود إلى عديد الأسباب على رأسها ما يلي:

1-
تدهور السياسة التعليمية ومناهجها وأدائها، فضلاً عن الضعف التكوينى والتربوى للمعلمين والمعلمات فى التعليم العام بجميع مراحله. من ناحية أخرى تراكم أزمات التعليم الجامعى وما بعده، من حيث الاعتماد على مقررات للأساتذة فقط، دون فتح الأبواب أمام الطلاب للبحث المنظم والمنهجى عن المواد فى عديد المراجع المختلفة. من ناحية ثانية: الاعتماد على النقل والحفظ، والاستذكار دون التحليل والتفسير والنقد.

من ناحية ثالثة: عدم فتح أبواب الجامعة وكلياتها أمام بعض كبار الأساتذة الأجانب المتميزين حتى فى الدراسات العليا، كما كان الوضع منذ نشأة الجامعة المصرية.

من ناحية رابعة: تراجع عدد البعثات التعليمية للجامعات الغربية، ومحلية التعليم ما بعد الجامعى الذى تم ترييفه بعد تكاثر الجامعات لإقليمية وتدهور مستويات التعليم ومستوى الرسائل العلمية والإشراف عليها، والاستثناءات محدودة جدًا.

من ناحية خامسة: انفصال المكون الثقافى عن السياسة التعليمية ومناهجها.

2-
موت السياسة وجمود نظام التجنيد للنخبة السياسية الحاكمة، والمعارضة عقب التعددية السياسية الجزئية والمقيدة، وضعف الأحزاب السياسية وضحالة برامجها السياسية والاجتماعية، وغياب مدارس تكوينية داخلها، فى ظل القمع الأمني، على نحو أدى إلى موت الفكرة الحزبية ذاتها، والإيمان بدورها.

3-
تراجع متابعة النخب السياسية والحزبية والثقافية لما يدور فى الإقليم والعالم على المستويات الفكرية والتحولات السياسية، الاعتماد على التناول الإعلامى الرسمى والمعارض المسطح، لاسيما فى ظل انتشار الفضائيات العربية.

4-
تدنى مستويات تكوين بعض مكونات أجهزة الدولة الأساسية من حيث نوعية بعض الاختيارات، وقادة المواقع الأساسية والوسيطة، وهو ما يبدو منذ عقود ولا يزال ميراثه وفوائضه مستمرة حتى الآن.

5-
تراجع «الطلب السياسى الدولتى» على المعرفة والكفاءة والتخصص والبحث العلمي، والاعتماد على التقارير، والخبرات الموروثة، والولاء وأهل الثقة، على نحو أدى إلى تدهور مستويات مراكز البحث الاجتماعى والسياسى والاقتصادى وتحولها إلى معاقل للبيروقراطية، واللاعمل إلا فيما ندر من استثناءات.

6-
ترييف ثقافة الدولة وأجهزتها، وتراجع دور المدن وثقافة المدينة لصالح تمدد الترييف الدينى والثقافى والاجتماعى والقيمى فى الفكر والسلوك فى حين أن الحداثة والتحديث هما أبناء المدينة.

7-
سطوة التسلطية الدينية فى الإنتاج الفقهى والتفسيرى والدعوى والإفتائى التقليدي، كداعم للتسلطية السياسية المسيطرة، فى إطار التعليم النقلى الذى يعيد إنتاج الرأسمال الدينى الوضعى الموروث، ومن ثم لا يفتح الأبواب أمام العقل الدينى على الأسئلة والظواهر والمشكلات الجديدة فى ظل انفصال المناهج الدينية الوضعية عن التطورات فى العلوم الاجتماعية الحديثة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟