المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

من اغتراب الكاتب إلى تحليل الباحث

الخميس 08/مايو/2014 - 11:04 ص
بدأت منذ فترة سلسلة مقالات عنوانها «تحولات الشخصية المصرية» وذلك لكى أقوم كباحث فى العلم الاجتماعى بتشريح «الزمان الفوضوى» الذى قلت من قبل إنه جاء بعد الزمان الثورى الذى دشنته ثورة 25 يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو. وقد ذهبت إلى أن فهم التغيرات العميقة التى لحقت بالإنسان والمجتمع فى مصر يمر بالضرورة عبر دراسة وتحليل تحولات الشخصية المصرية والتى رأيت أنها انتقلت من سيادة «الشخصية الفهلوية» (هزيمة يونيو 1967) إلى «الشخصية الإيجابية» (نصر أكتوبر 1973) إلى «الشخصية الثورية» (ثورة 25 يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو) وأخيراً إلى «الشخصية الفوضوية» بعد ما ساد العنف والإرهاب الذى قامت ومازالت تقوم به الجماعات الجهادية التكفيرية فى سيناء والجماعات الشاردة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التى أصابتهم 30 يونيو بصدمة ساحقة، لأنهم كانوا يتخيلون أن حكمهم سيستمر خمسمائة عام بعد أن يستعيدوا حلم الخلافة المفقود!
غير أنه بعد أن أعددت نفسى للبحث فوجئت بمشكلة فنية فى بوابة الأهرام منعت قرائى الذين أحرص بشدة على قراءة تعليقاتهم من نشرها على الشبكة، ولذلك كتبت مقالى السابق «اغتراب الكاتب» ووضعت بريدى الإلكترونى وهو ( eyassin@ahram.org.eg) فى نهاية المقال لكى يستطيع القراء أن يرسلوا بتعليقاتهم عن طريقه، غير أن هذا البريد لم يظهر فى المقال للأسف. وهأنذا أسجله فى صلب المقال، وهو دعوة مفتوحة لتلقى التعليقات النقدية.
ولنبدأ حديثنا يمكن القول إنه لا يكفى إن نقول أن «الشخصية الفهلوية» التى عدد سماتها أستاذنا الدكتور «حامد عمار» سادت فى النصف الثانى من الستينيات، وكانت من بين أسباب الهزيمة، لأنه ينبغى فى الواقع تحليل السياق التاريخى بأبعاده السياسية والاجتماعية والنفسية التى سادت وتفاعلت مع نمط الشخصية المصرية، وأنتج ذلك شخصية قوية سلبية فى الواقع.

وهناك ضرورة لتحليل الحقبة التاريخية الفارقة فى تاريخ مصر المعاصر والتى بدأت بالانقلاب الذى تم فى 23 يوليو 1952 والذى تحول إلى ثورة بفضل تبنى الضباط الأحرار مشروع العدالة الاجتماعية الذى صاغته فى الخمسينيات القوى السياسية المصرية بجميع اتجاهاتها، وانتهت بالهزيمة فى 5 يونيو 1967.
ويمكن القول على الصعيد السياسى إن الثورة استقرت -بعد حل جماعة الإخوان المسلمين وبعد إلغاء الأحزاب السياسية عام 1954- على أن التنظيم السياسى الواحد الذى اتخذ صيغاً متعددة بدأت بهيئة التحرير ثم الاتحاد القومى وأخيراً الاتحاد الاشتراكى العربى هو الصيغة المثلى للممارسة السياسية، حيث يجتمع «الكل فى واحد» لو استخدمنا عبارة «توفيق الحكيم» وتختفى الفروق الإيديولوجية بين المصريين وراء «صيغة تحالف قوى الشعب العامل» ولا يتاح للمصريين أن يعبروا بحرية عن انتماءاتهم السياسية يمينية كانت أو يسارية.
عبر الزمن تبين أن هذه الصيغة أدت إلى فراغ سياسى هائل فى البلاد، وخصوصاً بعد أن حققت الثورة عديداً من انجازات العدالة الاجتماعية التى وعدت بها. لقد صدرت قوانين عدة للإصلاح الزراعى حررت الفلاحين من عبودية شبه الإقطاع الذى كان سائداً، كما أعطى العمال عديداً من حقوقهم التى كانوا محرومين منها، وتم فك الحصار عن الطبقة الوسطى وأصبح عديد من أفرادها بحكم مجانية التعليم مهندسين ومديرين وموظفين فى القطاع العام وأساتذة فى الجامعات، كما أن البطالة اختفت تقريباً بين خريجى المدارس والجامعات بحكم سياسة التشغيل الكامل.
وبالرغم من كل هذه المكاسب التى تحققت لفئات الشعب المختلفة فإن الجماهير أحست بفطرتها أنه لا يمكن فى الواقع مقايضة العدالة الاجتماعية بالحرية السياسية.
وقد أحس قادة النظام وعلى رأسهم «جمال عبدالناصر» أن هناك حاجة لخلق كيانات سياسية جديدة قادرة على تحريك الجماهير وتشجيعهم على الممارسة السياسية فاختلقوا ما أطلق عليه «التنظيم الطليعى» والذى كان -ويا للغرابة- تنظيماً سرياً أنشئ بطريقة فوضوية فى الواقع تفتقر إلى أى منطق تنظيمى، ولعله كان -أول تنظيم سرى تقيمه سلطة سياسية تحكم البلاد فعلا!

غير أن هذا التنظيم الطليعى فشل فشلاً ذريعاً، ولذلك فكر «جمال عبد الناصر» -كما ورد فى وثائق الاتحاد الاشتراكى- فى تكليف بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة تأليف حزب معارض داخل الاتحاد الاشتراكى نفسه، وقد أجهضت هذه الفكرة العبثية لأنه سرعان ما تبين أنها فى الواقع تفتقد المصداقية.
ونتيجة لهذا الفراغ السياسى العميق بدأت تظهر ما أطلق عليه «مراكز القوى» والتى تصارعت للسيطرة على مجمل السلطة السياسية فى البلاد. ولعل أبرز هذه المراكز كانت القوات المسلحة بقيادة المشير «عبدالحكيم عامر» والذى قام بانقلاب صامت عام 1964 وتحدى «جمال عبدالناصر» الذى حاول تقييد حركته من خلال مجلس للرئاسة، إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً وأصر على أن يكون هو الفاعل السياسى الرئيسى.
ومن جانب آخر بدأت تظهر بوادر بزوغ «طبقة جديدة من مديرى القطاع العام الذين استطاعوا من خلال شبكات معقدة من الفساد تكوين ثروات طائلة، وشرعوا فى تأسيس شبكات خاصة تنافس شركات القطاع العام، ومثلوا اجتماعياً ثورة مضادة لأنهم ضاقوا بالقيود التى فرضها «جمال عبد الناصر» على حركة رءوس الأموال. ومن هنا تحالف بعض أفرادها البارزين مع مراكز القوى الأخرى مما أصاب البلاد بالشلل، وخصوصاً بعد أن فشلت خطة التنمية الخمسية الثانية لأسباب شتى وبدأت الجماهير تضج من سوء الأحوال الاقتصادية وندرة السلع الرئيسية.
فى هذا السياق المضطرب والمتعثر برزت سمات «الشخصية الفهلوية».
وإذا كانت الشخصية الفهلوية قد ظهرت آثارها المدمرة فى المجال السياسى والاقتصادى إلا أن خطورتها البالغة ظهرت فى مجال قدرة القوات المسلحة المصرية وجاهزيتها للقتال مع العدو التقليدى لمصر وهو إسرائيل.
وقد كان المشير «عبد الحكيم عامر» يؤكد «لجمال عبدالناصر» أن القوات المسلحة جاهزة من خلال تدريبات وهمية ووصلت «الفهلوة» إلى مداها حين سأل «عبدالناصر» المشير «عبدالحكيم عامر» هل القوات المسلحة جاهزة للدخول فى معركة مع إسرائيل فأكد بصورة قاطعة أنها جاهزة ولم يكن ذلك صحيحاً.
وهكذا يمكن القول إن «الشخصية الفهلوية» فرضت نفسها على المناخ المصرى فى النصف الثانى من الستينيات مما أدى إلى الهزيمة الساحقة فى 5 يونيو 1967!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟