المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ثورة جديدة: ليبيا تحارب الإرهاب

الأحد 25/مايو/2014 - 10:42 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. أحمد موسى بدوي

المُقارن بين ثورتي يناير المصرية، وفبراير الليبية، يكتشف دون جهد، مشتركات أكيدة بين ممارسات حزبي الإخوان في مصر وليبيا، وتكاد الإجراءات والمناورات التي اعتمدها الإخوان في البلدين تتطابق في الكثير من جوانبها، كما يُلاحَظ كذلك تشابهٌ كبيرٌ بين ممارسات الأحزاب السلفية في البلدين، فهل يعني ذلك أن ليبيا في حاجة إلى ثورة أخرى، مثلما حدث في مصر في 30 يونيه 2103، أم أن الأمر يختلف؟

أولا: لماذا اندلعت الثورة الأولى في ليبيا؟

        خلال فترة حكم القذافي، اشتبكت ليبيا مع قضايا وأزمات وطموحات خارجية، استنزفت الكثير من موارد الدولة، وبقيَ المواطن الليبي، مرهونًا بنظام حكم، يعتمد الذاتية أسلوبًا في إدارة أمور البلاد، تسيطر على الحاكم، رغبة في التفرد والتمرد على الواقع الإقليمي والعالمي، يدشن أفكاره وقرارته ملفوفة بالغموض، وتشوش الهدف، كأنه يرسم طلاسم على لوحة رمزية تستعصي على الفهم. يستلهم تجارب كل النظم الفاشية، في التعامل مع من يخالفه الرأي. وكأن الحاكم، قد أصبح إلهًا يمشي على الأرض. ورغم ذلك، فقد شهدت ليبيا نهضة تعليمية، عالية الجودة، ممتدة الأثر، أدت إلى تخفيض معدلات الأمية، وزيادة معدلات القيد في المدارس الثانوية والجامعات.

في مثل هذه الظروف، المليئة بالمتناقضات، تحدث أزمة داخل الحس المشترك السياسي والاجتماعي الليبي، فمن جهة لا يملك هذا الحس منع تسويغ ممارسات الحاكم، أو معارضة أفكاره وقرارته، فيضطر العقل الجمعي الليبي، بما يملك من وعي،  إلى تحويل مسار الفعل المشترك العام، إلى التسويغ المطلق لقرارات الحاكم المطلق، هي طريقة جمعية، طورها الليبيون، تتماشى مع غنوصية وغموض وفاشية الحاكم، وهنا تتحول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، إلى مشاهد مسرحية متواصلة تحكي قصة الحاكم الملهم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. لم يكن القذافي الحاكم الوحيد من بين العرب الذي تعامل مع شعبه بهذه الطريقة، إلا أنه بزّهم جميعا في التطرف الحاد في ممارسة السلطة المطلقة.

وتشير الدراسات وثيقة الصلة بثورات الربيع العربي، إلى أن ارتفاع البطالة بين المتعلمين، وعدم تحقق العدالة الاجتماعية، كانا من بين أسباب الثورة، ولا نرى هذه الحقيقة، محركة للثورة الليبية، إنما السبب الرئيس والجوهري في انطلاق الثورة الليبية، هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي قمعي، مارس كل موبقات الحكم المطلق، فقد اختزل القذافي، الدولة في شخصه، لذلك حين سقط، حدث سقوط الدولة دفعة واحدة، كما يذهب محمود جبريل، ما جعل ليبيا تدخل في حالة فراغ أمني وسياسي، وتحولت إلى الحالة الطبيعية، وفيها تلعب القبيلة الدور الأهم. 

بقيَ المواطن الليبي، مرهونًا بنظام حكم، يعتمد الذاتية أسلوبًا في إدارة البلاد، تسيطر عليه، رغبة في التفرد والتمرد على الواقع الإقليمي والعالمي

ثانيا: انطلاق ثورة فبراير2011

في الرابع عشر من فبراير 2011، أصدر (213) شخصية ممثلة لمجموعة من الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية، بيانًا، يطالبون فيه بتنحي قائد الثورة الليبية معمر القذافي، مؤكدين على حق الشعب الليبي، في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية لتحقيق هذا المطلب. وفي 15 فبراير، احتشد في بنغازي عدد كبير من المحتجين المطالبين بالإفراج عن (110) من السجناء السياسيين، وتعاملت معهم الشرطة بعنف مفرط، أفضى إلى سقوط قتلى. وانطلقت شرارة الثورة في أرجاء المدن الليبية بعد هذا التاريخ، وفي 20 فبراير، تعلن أكبر قبيلتين في ليبيا (ترهونة ورفلة) انضمامهما للثوار. وبعد هذا التاريخ، استخدم الجيش الليبي كل أسلحته في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات. وفي 17 مارس، يصدر مجلس الأمن  القرار رقم 1973 الذي يقضي بفرض الحظر الجوي على ليبيا، وإباحة استخدام القوة لحماية المدنيين من هجمات قوات الجيش الليبية، وسارع حلف الناتو بتوجيه ضربات جوية مؤثرة على قوات الجيش الليبي. ويستمر الكر والفر بين قوات الثوار المدعومة بسلاح الجو الأوربي، وبين قوات الجيش الليبي، حتى إعلان مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011. (مختصر من يوميات الثورة الليبية المنشورة في صورة مرفق إلكتروني، لمجلة السياسة الدولية، 2012).

لقد انطلقت الثورة الليبية، وعلى الأرض أربع قوى رئيسية:

(1)   الشباب الثائر: يمثلون جماهير الطبقة الوسطى المتعلمة، الحالمين بمجتمع ديمقراطي جديد، غير المنتمين لقوة سياسية بعينها، المنتشرون في جميع المدن الليبية.

(2)   القبائل الليبية: والتي ساندت رغبة أبنائها من الشباب الثائر، في توجهاته، ولم يشذ عن هذه القاعدة القبلية، سوى عدد محدود من القبائل، التي ترتبط عصبيًا بقبيلة معمر القذافي. وبسبب انتشار التعليم الأساسي في ليبيا، كما ذكرنا، وارتفاع الوعي، نسبيًا، استوعبت القبيلة الليبية المخاطر والفرص التي تمنحها الثورة الليبية لأبناء الوطن، ووقفت القبيلة، وقفات وطنية من هذه الثورة لم تقفها بعض التيارات السياسية، وقد اتضح ذلك مثلا فيما اتصل بحادثة مقتل اللواء عبدالفتاح يونس، فقبيلته انتصرت للوطن على حسابها. كما أن أغلب المصالحات الاجتماعية، يقوم بها شيوخ القبائل في غياب الدولة والقانون والأجهزة الأمنية.

 (3) جماعة الإخوان المسلمين: ترجع نشأة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا إلى عام 1949، عقب فرار ثلاثة من الشباب المصريين من جماعة الإخوان المصرية إلى ليبيا، بسبب الاتهامات التي وجهت إليهم في حادث اغتيال النقراشي باشا، رئيس الحكومة المصرية آنذاك. وفي أعقاب محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954، استقبلت ليبيا، موجة ثانية من الإخوان، برعاية السنوسي، وهكذا انتشر تنظيم الإخوان في الداخل الليبي، دون أن يكون له دور سياسي ملحوظ، لا سيما مع مجيء القذافي في 1969، وإصدار القانون 17 عام 1972، لتجريم الحزبية الذي يجعل من الانخراط في أي حزب أو تشكيلة سياسية جريمة يعاقب عليها بالإعدام.

على أية حال لم يكن تنظيم الإخوان في ليبيا، مفجرًا لثورة فبراير، تماما كحال إخوان مصر، وإنما لحق التنظيم بالثورة بعد بلوغ كتلتها الحرجة، ولكون تنظيم الإخوان الليبي، يمتلك الكوادر في الداخل، والدعم غير المشروط من الخارج، فقد أسس على عجل، كتيبة (17فبراير)، وتعد من أهم الكتائب العسكرية، التي مارست دورًا مهمًا في تحديد مسار الثورة، وتولت المسئوليات الأمنية في المدن وانتشرت في كل مفاصلها، ويلاحظ أن الإخوان كانوا من أوائل القوى الثورية التي أعلنت عن حزبها ( العدالة والبناء).

(4)الحركة الإسلامية الليبية من أجل التغيير: ولعبت دورا بارزا في ثورة فبراير، حيث دعمت الجبهات بخبراتها العسكرية والتدريبية، نتاج تجربتها في أفغانستان، ويأتي عبد الحكيم بالحاج، على رأس هذه الجماعة، الذي ظل بعيدا عن الإعلام حتى سقوط طرابلس، حيث ظهر بوصفة شخصية رئيسية اضطلع بقيادة المجلس العسكري في طرابلس، وتمت مأسسة الجماعة من خلال تشكيل حزب "الوطن".

لكون تنظيم الإخوان الليبي، يمتلك الكوادر في الداخل، والدعم غير المشروط من الخارج، فقد أسس كتيبة (17فبراير)، من أهم الكتائب العسكرية، التى تولت المسئوليات الأمنية في المدن وانتشرت ف

ثالثا: المؤتمر الوطني العام: مأساة  ما بعد الثورة

ارتبط مشهد ما بعد الثورة، بشكل مباشر بالأحداث الجارية في مصر وتونس، ففي تلك الفترة، بدأت تظهر عورات الهيمنة الإخوانية على الحكم في مصر وتونس، وتفاعل المواطن الليبي مع هذه الأحداث بقدر كبير من المسئولية المثيرة للإعجاب، فجاءت نتائج انتخاب المؤتمر الوطني العام، الذي حل محل المجلس الوطني الانتقالي، معبرة عن رغبة أكيدة لدى الليبيين في التأسيس لدولة جديدة لا قمعية ولا دينية. ومن أسف فلم تكتمل فرحة المواطن الليبي بثورته ولا بمجلسه المنتخب.

تكون المؤتمر الوطني العام من (200 عضو، منها 120 فرديًا، 80 بالقائمة)، وقد انحاز المواطن، للتيار الوطني بقيادة محمود جبريل، فحصل هذا التيار على (39 مقعدًا من 80 مقعدًا)، مقابل (17) مقعدًا لحزب العدالة والبناء. وتقاسمت الأحزاب الأخرى بقية مقاعد القائمة. غير أن مشكلة هذا المؤتمر كامنة في الفائزين بالمقاعد الفردية، فمعظمهم ينتمى إلى تيارات دينية، ولم ينجحوا في هذه الانتخابات إلا لاعتبارات عصبية وقبلية بحتة. ما وضع التيار الوطني في موقف صعب داخل المؤتمر، فقدرته على حشد الأصوات الفردية لم يتجاوز (50 عضوًا)، أي أنه يملك ما يقرب من (90 عضوًا من 200 عضو جملة أعضاء المؤتمر الوطني) ما يعني أنه غير قادر على تنفيذ أجندته الوطنية.

في المقابل، نشطت قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها العدالة والتنمية، في استقطاب بقية المقاعد الفردية، وجرت خلال العام المنصرم أسوأ ممارسة سياسية داخل المؤتمر الوطني العام، كيف؟

أولا: عقد الصفقات والتحالفات داخل المؤتمر العام، وبطبيعة الحال فهي تحالفات لا ترتبط بالشارع الليبي، ولا بطموحاته، لأنها تشكلت بعد الانتخابات، ما يعني خديعة للناخب الليبي.

ثانيا: أن المؤتمر الوطني العام، وقع تحت تأثير القوة العسكرية للميليشيات الإخوانية والسلفية، وصار من المألوف تمرير القرارات عنوة داخل لجان المؤتمر، بسبب الإرهاب الذي تفرضه هذه الميليشيات على أعضاء المؤتمر.

ثمة ثورة جديدة في ليبيا، مبرراتها منبعثة من الوضع الليبي، وليست تقليدًا للثورة المصرية كما يجري تصويرها بسذاجة

رابعا: نظرة نحو المستقبل: هل ليبيا في حاجة لثورة أخرى؟

لا شك أن ثمة ثورة جديدة في ليبيا، سواء كانت هذه الثورة انطلقت بالفعل، عبر حركة اللواء حفتر، أم أنها سوف تنطلق في الأجل القريب، دواعي هذه الثورة ومبرراتها منبعثة من الوضع الليبي، وليست تقليدًا للثورة المصرية كما يجري تصويرها بسذاجة،  لماذا؟

·        لأن غالبية الليبيين لا يقبلون فكرة تقسيم ليبيا. كما حدث في السادس من مارس (2012) ، حين أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون في بنغازي تأسيس "إقليم فيدرالي اتحادي" بشرق ليبيا، واختاروا الشيخ أحمد السنوسي، ابن عم آخر ملوك ليبيا، رئيسًا للمجلس الأعلى للإقليم المذكور، وجاء الرد الأقوى على هذه الدعوة من القوى الشعبية الليبية، التي خرجت في مظاهرات في عدة مدن ليبية، منها طبرق (من مدن الإقليم نفسه)، ترفض الدعوة الفيدرالية باعتبارها دعوة مبطنة لتقسيم ليبيا.

·        كما أن المؤتمر الوطني العام فشل فشلا ذريعا في تهيئة ليبيا للمستقبل. فلم يكن معبرًا عن الشعب الليبي ولا ممثلا له، بسبب الخديعة التي تعرض لها المواطن الليبي، عند انتخاب المقاعد الفردية، ثم بعد ذلك، بسبب الإرهاب المفروض على أعضاء المؤتمر لتمرير أجندة غير وطنية وغير ديمقراطية.

·        ولأن الليبيين على وعي بتحركات الأطراف الخارجية، لدعم وتمويل وإمداد الإخوان المسلمين والتيارات السلفية داخل ليبيا، لمواجهة الانهيار المستمر في شعبية تيارات الإسلام السياسي في مصر وتونس. ما يجعل الفجوة تتسع بين طموحات المواطن الليبي، وأهداف تيارات الإسلام السياسي الليبية.

·        كما أنه جرى بالفعل انتقال الكوادر الإخوانية والسلفية الفارة من مصر، في أعقاب ثورة 30 يونيه، وسبق ذلك انتقال جماعات القاعدة وأخواتها، من تونس والجزائر وتشاد، وتلحقه محاولات تهجير وتوطين الجماعات السلفية الجهادية المحاربة في سوريا، في حالة فشلها. كل ذلك يمثل ضغطا كبيرا، على المواطن الليبي الذي يأبى تحول وطنه إلى أفغانستان جديدة.

لهذه الأسباب، فإن مبررات الثورة الليبية الثانية قائمة بالفعل، ولا ندري على وجه الدقة، هل تمثل حركة اللواء حفتر، ذراع هذه الثورة الجديدة،  لتغيير الواقع المأساوي الراهن، أم أن ليبيا لا تزال تنتظر المخاض الصعب؟

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟