المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الإيديولوجيا والتكنولوجيا

الأربعاء 11/يونيو/2014 - 11:13 ص

اهتممت منذ سنوات بعيدة بمشكلة الإيديولوجيا والتكنولوجيا وكتبت عنها دراسة مستفيضة نشرتها على حلقات فى مجلة "الكاتب"، ثم ضمنتها بعد ذلك كتابى "الحوار الحضارى فى عصر العولمة" الذى نشرته "نهضة مصر" والذى جمعت فيه دراساتى الأكاديمية فى علم الاجتماع.

ما الذى ذكرنى الآن بهذه المشكلة؟

تلقيت تعليقاً من أحد قرائى الكرام على مقال لى نشرته فى جريدة "الأهرام" وهو أستاذ فى الإدارة وخبير فى تكنولوجيا المعلومات. وتضمن التعليق آراء هامة تستحق التأمل فى مجالات مختلفة. وقد اتصل بى تليفونياً اليوم لأنه لم يعرف ما هى استجابى لتعليقه، ودارت بيننا مناقشة هامة حول تكنولوجيا المعلومات. واكتشفت أنه يظن أن هذه التكنولوجيا المتطورة يمكن أن تحل محل الإيديولوجيات السياسية، لأن الخبراء يمكن أن يضعوا أمام مستخدم شبكة الإنترنت بدائل مختلفة لكل المشكلات، حتى أنهم يمكن لهم إذا كان المتلقى ليس لديه فكر محدد فى موضوع ما فإن خبراء المعلومات يمكن أن يزودوه بهذه الفكرة.

وقد اندهشت من تأكيد هذا الأستاذ العالم من تصوره أنه يمكن لخبير المعلومات أن يقدم فكراً "موضوعياً" غير متأثر بأى أيديولوجية!

والواقع أننا أمام مشكلتين هنا. المشكلة الأولى هل انتهى فعلاً عصر الايديولوجيا، كما سبق لعالم الاجتماع الأمريكى "دانيل بل" أن بشرنا منذ سنوات بنهاية الإيديولوجيا؟

والمشكلة الثانية هى مشكلة الموضوعية والذاتية فى الخطاب العلمى فى مجال العلوم الاجتماعية.

بالنسبة للمشكلة الأولى إذا كان صحيحاً أن عصر الإيديولوجيات المغلقة كالماركسية الجامدة أو الرأسمالية المتطرفة قد انتهى لأننا فى عصر العولمة نحن نواجه تحدى "الأنساق الفكرية المفتوحة" التى من خلال الإبداع يمكن للمفكر وصانع القرار أن يؤلف تأليفاً خلاقاً بين تناقضات ما كان يظن من قبل أنه يمكن التأليف بينها، لكى ينتج مركباً فكرياً جديداً كالتأليف بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية كما سبق أن فعل الفيلسوف الأمريكى الليبرالى الشهير "جون رولز" فى كتابه عمد "نظرية العدل".

غير أنه ليس معنى ذلك الإختفاء المطلق للإيديولوجيات.

لأن الإيديولوجية بكل بساطة هى مجموعة الأفكار التى تتعلق بطريقة إدارة المجتمعات. ومن هنا سيختلف المفكرون اختلافات جوهرية فى هذا المجال.

أما المشكلة الثانية فهى مشكلة الموضوعية والذاتية. ونستطيع أن نؤكد أن مقولة الموضوعية الكاملة فى الخطاب العلمى الاجتماعى قد سقطت.

ولعل العالم الاجتماعى السويدى "جونار ميردال" هو الذى حل هذه المشكلة حين صاغ مقولته الشهيرة "الموضوعية هى أن تعلن ذاتيتك منذ البداية".

ولعل فى هذه المقولة الرد على الأستاذ الجليل "خبير تكنولوجيا المعلومات" الذى ظن أنه يمكن أن نقدم حلولاً "علمية" و"موضوعية" للمشكلات المختلفة على أساس أن التكنولوجيا حلت محل الإيديولوجيا، وهذا فى الحقيقة وهم من الأوهام الشائعة!

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟