المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

تدهــــــور الشــــــخصية الإيجابيــــــة!

الخميس 12/يونيو/2014 - 11:36 ص
ليس هناك أى شك فى الحكم الذى أطلقته فى المقال الماضى عن «انبثاق الشخصية الإيجابية» كما تجلت فى المعركة التاريخية الكبرى التى أدارها الشعب المصرى وفى مقدمته القوات المسلحة الباسلة فى حرب أكتوبر 1973.
ويبقى السؤال الذى يحتاج فى الإجابة عنه إلى تحليلات علمية عميقة سياسية ونفسية واجتماعية وثقافية ـ كيف استطاع الشعب المصرى أن يتجاوز مرارة الهزيمة الساحقة فى يونيو 1967، وينهض من جديد مصمماً على تحرير الأرض من دنس قوات الاحتلال الإسرائيلية؟ 
وبغض النظر عن هذه التحليلات العلمية الضرورية فإن الشخصية الإيجابية تجلت فى أبهى صورة بعد النصر المؤزر فى أكتوبر 1973. وأذكر أننى كلفت من القوات المسلحة المصرية بتخطيط ندوة علمية عالمية عن حرب أكتوبر ضمت باحثين من جنسيات مختلفة دارت بحوثها حول تحليل المعركة للوصول إلى سر الإعجاز العسكرى المصرى من ناحية، وبراعة التخطيط الاستراتيجى للمعركة الذى أشرف عليه بمنتهى الدقة والكفاءة بل والدهاء السياسى الرئيس «محمد أنور السادات».
وأذكر أننى ألقيت بحثاً فى هذه الندوة الدولية وذكرت فيه أن نموذج حرب أكتوبر من زاوية التخطيط والتنفيذ والأداء ينبغى أن يحتذى بعد نهاية الحرب فى معركة المجتمع ضد التخلف، سعياً وراء تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية من خلال تخطيط تنموى شامل، يكون قادراً على إشباع الحاجات المادية والروحية للجماهير العريضة.غير أن تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية التى بادر الرئيس السادات بإعادة صياغتها أدت -للأسف الشديد- إلى مأزق سياسى وأزمة تنموية خانقة.
فقد قرر «السادات» وكان قراره صائباً- بضرورة التخلص من إرث النظام السلطوى الناصرى الذى كان يقوم على انفراد حزب السلطة وهو «الاتحاد الاشتراكى العربي» بالحكم، وفتح الباب أمام تعدد المنابر أولاً داخل الاتحاد الاشتراكي، وبعد ذلك القبول بمبدأ تعدد الأحزاب السياسية باعتبار ذلك خطوة أساسية لتحقيق مبادئ الديمقراطية. غير أنه صاغ بمفرده خطة سياسية تقوم على السماح بتكوين ثلاثة أحزاب أحدها يمثل اليمين والثانى يمثل الوسط والثالث يمثل اليسار. ومعنى ذلك أنه لم يفتح الباب أمام حرية تعدد الأحزاب، ولكنه أراد أحزاباً لها معالم محددة رسمها هو حتى تكون تحت رقابته.
وقامت الأحزاب السياسية التى تصورها، ولكنه سرعان ما قيد حركتها بعدما مارست بعضها النقد العلنى لسياساته، ومن هنا فرض عليها وصاية سياسية سلطوية، فكأنه أعاد تجديد النظام السلطوى الناصرى وإن كان فى صورة تعددية شكلية.
غير أن أخطر قراراته على الإطلاق كان تصفية القطاع العام الاقتصادى الذى نجح فى العصر الناصرى إلى حد كبير فى إشباع الحاجات الأساسية المادية للجماهير العريضة، وأعلن عن بدء سياسة الانفتاح الاقتصادى دون خطة واضحة، ودون حساب التكلفة والخسائر.
هذا الانفتاح الاقتصادى الذى وصفه أستاذنا «أحمد بهاء الدين» بأنه افتتاح سداح مداح» بمعنى أنه انفتاح فوضوى أدى إلى تصفية مؤسسات القطاع العام، وفتح الباب واسعاً وعريضاً أمام طبقة رجال الأعمال الذين سبق أن أممت ثرواتهم فى العصر الناصرى أو من مديرى القطاع العام الذين أثروا نتيجة الفساد المعمم، بالإضافة إلى فئة جديدة من «تجار الشنطة» وغيرهم من المغامرين الاقتصاديين، ومنح أعضاء هذه الفئات تسهيلات حكومية شتى سادها الفساد حتى تتاح لهم إقامة مشاريعهم الجديدة.
وبالرغم من أن الرئيس «السادات» فى سبيل الترويج لاتفاقية «كامب دافيد» ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية قد وعد جماهير الشعب المصرى بأن الرخاء سيعم البلاد وكأن السماء ستمطر عليهم عسلاً ولبنا، فإن الواقع الاجتماعى سادته مظاهر عدم المساواة والفجوة الطبقية الكبرى التى بدأت تتسع بانتظام، وارتفاع الأسعار الرهيب الذى جعل الحياة بالغة الصعوبة أمام الجماهير العريضة. وقد أدت هذه الأوضاع المتردية إلى ثورة شعبية صغرى فى 17، 18 يناير 1977 حين هبت الجماهير فى شوارع مصر جميعاً تهتف ضد النظام منددة بسياساته الإقصائية.
وقد حاول «السادات» بالطرق الأمنية فض هذه الثورة الشعبية غير أنها بذاتها أشارت بوضوح إلى تدهور نمط الشخصية الإيجابية التى ظهرت فى حرب أكتوبر 1973 حيث كانت القيادة والشعب يدا واحدة. وتتالت الأحداث وكان أبرزها اغتيال الرئيس «السادات» نفسه فى يوم الاحتفال بذكرى انتصار حرب أكتوبر وفى ساحة العرض العسكرى حيث كانت القوات المسلحة تحتفل بالانتصار وجاء الرئيس «مبارك رئيساً للجمهورية. ويذكر للرئيس «مبارك» فى سجله الإيجابى أنه عقد مؤتمراً اقتصادياً كبيراً حضره باحثون واقتصاديون من مختلف الاتجاهات السياسية، وقد حضرت هذا المؤتمر وشهدت الرئيس «مبارك» يجلس مع الحضور لكى يستمع إلى الاجتهادات الفكرية المختلفة للباحثين الاقتصاديين حول الخطة الاقتصادية المثلى التى ينبغى لمصر أن تطبقها لتحقيق التنمية المستدامة.
غير أن ما تلا المؤتمر كان وخلافاً لعديد من توصياته الإيجابية- إسراعاً فى تنفيذ خطة «السادات» الأصيلة، وبدأت عملية نسف القطاع العام بالكامل وتصفيته والتى بدأت على استحياء أولاً ثم ما لبثت أن أصبحت هى السياسة الرسمية المعلنة. وبيع عديد من الشركات العامة بأثمان بخسة لعدد محدود من رجال الأعمال المصريين والعرب والأجانب فى صفقات شابها الفساد وأضرت بأمن مصر القومي. وفتحت الأبواب على مصاريعها للاستثمار العربى والأجنبى بغير حدود ولا قيود، وفى ضوء سياسات اقتصادية انتصرت لحرية السوق المطلقة، وكفت يد الدولة عن التدخل فى الاقتصاد.
وبلغت هذه السياسة ذروتها وخصوصاً بعد سيادة نمط الليبرالية الجديدة بفضل العولمة التى اكتسحت أسواق العالم وغزت كل الدول.
ويمكن القول إن العشر السنوات الأخيرة من حكم الرئيس «مبارك» شهدت تدهوراً شديداً فى الشخصية الإيجابية المصرية، لأنها انهارت بسبب الفساد المعمم والزواج المحرم بين السلطة والثروة، وشيوع الفقر بين ملايين المصريين، ونمو العشوائيات الرهيب، وتمدد المنتجعات التى أقامها أفراد الطبقات الثرية الجديدة التى أقامت ثراءها فى المقام الأول على أساس نهب أراضى الدولة والفساد المستشرى.
أكان غريباً بعد ذلك أن ينهض الشعب المصرى من رماد الهزيمة الاجتماعية الساحقة ليطالب بحقه فى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟ لقد كانت ثورة 25 يناير إيذانا بهبوب عاصفة الشخصية الثورية التى حطمت القيود السلطوية، وفتحت الباب أمام جموع الشعب لكى تطالب بحقها |لأصيل فى عملية اتخاذ القرار، ليس ذلك فقط ولكن أيضاً فى الرقابة على تنفيذ القرار. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟