المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

أوباما يمارس النقد الذاتي للإمبراطورية!

الأحد 15/يونيو/2014 - 11:03 ص
دفعنا الهجوم الإرهابي الخطير الذي وجّه ضرباته الموجعة ضد مراكز القوة والهيبة الأميركية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 إلى أن نقطع سلسلة مقالات كنا قد خصصناها لتأصيل موضوع «صراع الحضارات» الذي أثاره عالم السياسة الأميركي المعروف صمويل هنتنغتون في كتابه الشهير الذي أثار جدلاً فكرياً عالمياً. وذلك لأننا أدركنا منذ اللحظة الأولى أن هذا الحادث الإرهابي غير المسبوق سيقلب الموازين في النظام الدولي، وستكون له أصداء بالغة العمق على بلاد العالم جميعاً وليس بالنسبة فقط الى الولايات المتحدة الأميركية.
وشرعت على الفور في إجراء مجموعة من الدراسات التحليلية للحدث جمعتها بعد ذلك في كتابي «الحرب الكونية الثالثة: عاصفة أيلول (سبتمبر) والسلام العالمي» (القاهرة: 2003). وكان هذا الكتاب أشبه بتقرير بحثي يقوم على التراكم العلمي المنظم، لأن عملية البحث جعلتني أتتبع كتابات المفكرين الأميركيين المؤيدين للحرب التي شنّها الرئيس السابق جورج بوش الابن ضد الإرهاب واولئك الذين عارضوها!
ثم أصدرت من بعد جزءاً ثانياً للبحث نشرته في كتابي «الإمبراطورية الكونية: الصراع ضد الهيمنة الأميركية» (القاهرة 2004). وقد عدت اليوم الى المقدمة التي كتبتها في ذلك الحين بعنوان «خطوات الإمبراطورية المتعثرة»، كأنني كنت أتنبأ بأن القادة السياسيين الأميركيين سيدركون بعد حين أن شمس الامبراطورية الأميركية قد آذنت بالمغيب، وأنهم لا بد في لحظة تاريخية ما سيمارسون النقد الذاتي لسياسة الدولة الأميركية المنحرفة.
وقد صدقت النبوءة، وها هو الرئيس أوباما في خطابه التاريخي الذي ألقاه في 28 أيار (مايو) 2014 أمام أكاديمية «ويست ﭙوينت» يمارس نقداً ذاتياً للامبراطورية الأميركية لم يسبق لأي رئيس أميركي أن تجاسر ومارسه وهذا - والحق يقال - مما يحمد له. وذلك لأن هناك حدوداً لغرور القوة مهما كان بأس الامبراطورية أياً كانت.
لقد ذكرت في مقدمتي التي كتبتها عام 2004 بالنص «سيشهد التاريخ العالمي في المستقبل على أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) والتي تمثلت في الهجوم الإرهابي الشامل على مراكز القوة الاقتصادية والعسكرية في الولايات المتحدة الأميركية كانت – وعلى عكس ما يرى عديد من الباحثين - نهاية الامبراطورية الأميركية! وإذا كان المؤرخ الأميركي البريطاني الأصل بول كيندي سبق له أن تنبأ بسقوط القوة الأميركية في كتابه المعروف «صعود وسقوط القوى العظمى» فإن ما تبع هجوم 11 سبتمبر إنما يؤكد صدق هذه النبوءة. وبيان ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية في رد فعلها العنيف والمتعجل على الأحداث المهولة أصدرت قراراً إمبراطورياً بالحرب ضد الإرهاب شعاره «من ليس معنا فهو ضدنا»، وجاء في القرار التاريخي أن الحرب ضد الإرهاب حرب من نوع جديد لا يحدها مكان أو زمان، بمعنى أنها تتسع دوائرها لتشمل المعمورة كلها من ناحية، وأنها يمكن أن تستمر إلى الأبد من ناحية أخرى»!
ويتضح من مفردات هذا الخطاب أن الامبراطورية قررت أن تواجه إرهاب تنظيم «القاعدة» بإرهاب الدولة! وليس أدل على ذلك من قرار الغزو العسكري المتعجل لنظام «طالبان» في أفغانستان. وبعد ذلك عدوانها الإجرامي ضد العراق وغزوه عسكرياً بزعم امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، مع أن ذلك كان محض كذب صريح حاولت فيه الولايات المتحدة أن تجر وراءها الدول الأعضاء في مجلس الأمن للمشاركة في الحرب، إلا أن حلفاءها رفضوا الوقوع في هذا الفخ المشين.
وأياً كان الأمر يمكن القول إن النقد الذاتي غير المسبوق الذي وجهّه الرئيس أوباما للسياسات الإمبريالية للولايات المتحدة كان في ذاته دحضاً للشعار الذي رفعته والذي أبرزه الروائي الأميركي المعروف غور فيدال وهو «حروب دائمة من أجل سلام دائم». وكأن هذا الشعار الخادع يحاول تبرير النزعة العدوانية التي صاحبت أميركا منذ نشأتها كدولة.
وإذا حللنا خطاب النقد الذاتي لأوباما في ضوء قواعد تحليل الخطاب لاكتشفنا أنه مزيج من الاعتراف بالأخطاء والتبرير والمراوغة وبذل الوعود لعدم استمرار النزعة العدوانية الأميركية في المستقبل.
ويلفت النظر حقاً أن أوباما استهل خطابه بزعم تكذبه الشواهد وهو أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً أقوى مما هي عليه الآن، واعتبر أن من يقولون أن قوتها تتراجع «يزيفون التاريخ».
وذهب أوباما – من باب الزهو بالذات القومية - إلى أن الجيش الأميركي لا منافس له في العالم، وفي الوقت نفسه أكد أن حجم التهديدات الموجهة إلى الولايات المتحدة منخفض ولا يماثل المخاطر التي كانت سائدة أيام الحرب الباردة.
وفي تقديرنا أن أخطر تصريحات أوباما في هذا الخطاب التاريخي هو إنكاره لتهاوي القوة الأميركية في مجال موازين القوى العالمية. والدليل على ذلك التحول البطيء من النظام الأحادي القطبية إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، خصوصاً بعد صعود الصين إلى صدارة المشهد العالمي هي ودول أخرى.
ومن هنا يمكن القول أن زعم أوباما بأنه لا غنى عن الولايات المتحدة على رأس القيادة الدولية والسؤال ليس إذا كانت ستقود ولكن كيف ستفعل ذلك، هو زعم لا أساس له إذا استخدمنا المؤشرات الكمية والكيفية التي تقيس قوة الدول.
وفي مجال النقد العنيف الذي وجهّه إلى أسلافه خصوصاً جورج بوش الابن الذي تسرع وأمر بشكل متعجل بغزو أفغانستان والعراق ما أدى إلى خسائر مادية بالبلايين وإلى ضحايا من جنود القوات الأميركية بعشرات الآلاف، قال أوباما بصورة قاطعة مخاطباً العسكريين: «سأخون واجبي حيالكم وإزاء البلد الذي نحب إذا أرسلتكم إلى مناطق خطرة لمجرد أنني رأيت مشكلة تحتاج إلى إصلاح في العالم».
وحذر أوباما من تسرع الولايات المتحدة في خوض حروب خارجية، معتبراً أن هذه الاستراتيجية ساذجة وغير مستدامة. والدليل على ذلك – في رأيه - أن بعض الأخطاء الأميركية الأكثر كلفة كانت نتيجة الاندفاع في مغامرات عسكرية من دون التفكير في نتائجها.
ولعل تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام هو النموذج الأمثل للمغامرات الأميركية العسكرية الحمقاء التي أدت إلى هزيمة عسكرية ساحقة وضحايا بمئات الألوف وقعوا في صفوف القوات الأميركية، إضافة إلى ملايين الضحايا الفيتناميين الذي ضاعوا نتيجة قصف الطائرات الحربية الأميركية، والذي أباد قرى فيتنامية كاملة بسكانها.
وحذر أوباما من مخاطر التدخل في شكل استخدام القوة العسكرية في شكل أحادي ووعد بأنه لن يحدث ذلك إلا إذا استدعت ذلك مصالح أميركا الجوهرية أو تعرض الشعب الأميركي للتهديد أو حين يصبح الرزق الأميركي في خطر، أو حين يتعرض حلفاء أميركا لمخاطر جسيمة.
وفي فقرة بالغة الأهمية من خطابه ركز الرئيس أوباما على خطورة ظاهرة الإرهاب الذي اعتبره التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المستقبل القريب. واقترح في هذا الصدد – بدلاً من شن عمليات عسكرية واسعة - شراكة مع دول تبحث تنظيمات إرهابية عن موطن قدم فيها، وذلك يشمل تأسيس صندوق شراكة مقداره 5 ملايين دولار لمكافحة الإرهاب في أفغانستان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كانت هذه هي النقاط الجوهرية في خطاب النقد الذاتي الذي لم يسبق لرئيس أميركي سابقاً أن مارسه معترفاً ليس فقط بالأخطاء الجسيمة لقرارات الحرب الأميركية، بل وأبعد من ذلك منتقداً بشدة النزعة الحربية العدوانية الأميركية.
وقد أثار هذا الخطاب أصداء بالغة العمق في الدوائر السياسية الأميركية بين مؤيد ومعارض، وإن كان هناك إجماع على أن ممارسة النقد الذاتي بهذه الصورة العلنية المباشرة تكشف عن شجاعة أدبية عظمى للرئيس أوباما. 
 

* كاتب مصري

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟