المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

هبــوب عاصــفة الشـــخصية الثــورية

الخميس 19/يونيو/2014 - 11:02 ص
خلصنا فى المقال الماضى «تدهور الشخصية الإيجابية» (12 يونيو 2014) إلى أن الشخصية الإيجابية المصرية التى انطلقت كالمارد من رماد الهزيمة الساحقة فى حرب يونيو 1967 لكى تحقق المستحيل وتنجز الانتصار.
هذه الشخصية الإيجابية التى أبرزت قدرة القيادة على التخطيط الاستراتيجى المحكم، وجسارة المقاتلين المصريين والدعم غير المحدود من الشعب الذى وقف مسانداً لقواته المسلحة، هذه الشخصية للأسف الشديد- تدهورت ملامحها البارزة ابتداء من عصر الانفتاح الفوضوى الذى دشنه الرئيس السادات، وانتهاء بحكم الرئيس الأسبق «مبارك» الذى امتد إلى ثلاثين عاماً كاملة. 
ويمكن القول إنه بعد فترة انتظار طالت صمت فيها الشعب انتظاراً لتحقيق الوعود الكاذبة للحكومات المتعاقبة بتحسن قريب للأحوال، هبت فجأة وعلى غير توقع عاصفة الشخصية الثورية التى نسفت النظام القديم نسفاً، وحولته إلى ركام فى أسابيع قليلة.
وكما نعرف فإن الشباب هم الذين -بدعوتهم للتظاهر ضد النظام القديم فى 25 يناير 2010- أشعلوا فتيل الاحتجاج، والذى سرعان ما تحول من هبة ثورية محدودة إلى ثورة شعبية عارمة بعد أن نزل ملايين المصريين من جميع الطبقات الاجتماعية، والذين يمثلون مختلف الأجيال لا فرق بين الرجال والنساء والأطفال والرجال وهم يحملون بين جنباتهم طاقة عظمى للغضب والسخط، انفجرت فى وجه النظام القديم وأدت خلال أيام قليلة إلى رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» الذى سقط فعلاً بعد ثمانية عشر يوماً من الهبة الجماهيرية فى 25 يناير.
هذه الأيام الثمانية عشر الأولى التى أعقبت يوم 25 يناير يمكن اعتبارها المرحلة «البطولية» فى ثورة 25 يناير، لأنها حملت بين تضاعيفها الجسارة الحقيقية للشخصية المصرية بعد أن استعادت روح الشخصية الإيجابية التى برزت فى حرب أكتوبر 1973. 
لم تكن الأسابيع الأولى للثورة المرحلة البطولية فقط ولكنها تعدت ذلك لكى تقدم نموذجاً رفيعاً للمجتمع الإنسانى الذى يحلم به الشعب المصرى، والذى يمثل «يوتوبيا» متكاملة يشارك فى صنعها المسلمون والأقباط، وتتجلى ملامحها فى التآلف الاجتماعى والتعاطف الإنسانى. 
وأجبر الرئيس «مبارك» على التنحى وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة. ومنذ هذه اللحظة وبعد أن غادر شباب الثورة ميدان التحرير وبعدما انصرف الملايين - بدأ التدهور المتسارع فى الزخم الثورى، وذلك لأن النشطاء السياسيون سرعان ما ترك بعضهم الميدان إلى غير رجعة، فى حين تشرذم المئات منهم وكونوا- عبر شهور قليلة- أكثر من ثلاثمائة ائتلاف متنافسة تنافسا عقيماً، فى حين تكونت أحزاب جديدة بالعشرات فى سياق حاولت فيه الأحزاب السياسية التقليدية أن تلحق لاهثة بركب الثورة المندفع.
وفى إطار تفاعلات معقدة غاية التعقيد حدثت مصادمات دامية بين الناشطين السياسيين وقوات الأمن والقوات المسلحة فى وقائع شهيرة، أهمها أحداث «محمد محمود» و»ماسبيرو» و «ميدان العباسية».
وقد كشفت هذه الصدامات عن أن الناشطين السياسيين بأطيافهم المتصارعة إن كانوا قد نجحوا فى إشعال فتيل الثورة إلا أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً فى تبنى رؤية سياسية متكاملة عن طبيعة النظام الجديد الذي يطمحون إلى تأسيسه، حتى يحقق أهداف الثورة العليا فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
ودخلت جماعات شاردة من النشطاء السياسيين -سواء فى ذلك أنصار حركة «6 أبريل» أو «الألتراس» أو جماعات أخرى- فى معارك عقيمة مع السلطة الانتقالية. وضاعت روح الثورة الحقيقية وسادت الفوضى العارمة التى غذتها شعارات عدائية لمؤسسات الدولة وفى مقدمتها القوات المسلحة تحت شعار «يسقط حكم العسكر» أو فى مواجهة قوات الأمن التى حاولت المظاهرات الغوغائية عدة مرات اقتحام مقر وزارة الداخلية أو الهجوم الفوضوى على أقسام الشرطة.
وفى ظل ضياع الثورة الحقيقية وارتفاع أعلام الفوضى أدت التطورات السياسية غير المخططة والتى سادتها الصفقات المشبوهة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم استفتاء متعجل عن الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً؟ وذلك فى غيبة مجلس استشارى يضم ممثلى الشعب الحقيقيين، وجاءت نتيجة الاستفتاء بعد دعاية دينية مزيفة «بنعم» على الانتخابات أولاً. وهكذا مهد الطريق أمام جماعة الإخوان المسلمين وجماعات السلفيين لكى تحصل على الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى. وسرعان ما انتقلت جماعة الإخوان المسلمين فى مخططها للسيطرة الكاملة على المجتمع إلى الانتخابات الرئاسية. 
وهكذا صعدت جماعة الإخوان المسلمين إلى ذروة الحكم فى مصر، وسرعان ما شرعت فى تنفيذ مخططها فى أخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
ودار صراع بالغ الحدة والعنف بين مكتب الإرشاد والذى كان يحكم مصر فعلاً وبين كل القوى السياسية الليبرالية والثورية، واستخدمت الجماعة المظاهرات الغوغائية لإرهاب المحكمة الدستورية العليا، وإرهاب الإعلاميين، وتهديد المثقفين فى صراعها للسيطرة على مقدرات الوطن.
وقد أثبتت جماعة الإخوان المسلمين طوال مدة حكمها القصير للبلاد والذى لم يزد على عام واحد إفلاسها الفكرى الكامل وفشلها السياسى المطلق، لأنها جماعة بلا مشروع وتفتقر إلى الكوادر المدربة القادرة على الحكم والإدارة، بالإضافة إلى سياستها فى مغالبة كل القوى السياسية على الساحة.
وهكذا بعد أن تحولت الشخصية الثورية فى المرحلة الانتقالية إلى شخصية فوضوية تمارس أفعال العنف، وتتعامل بإلقاء قنابل المولوتوف، وتدخل فى صدامات عنيفة دموية تحولت إلى شخصية مسحوقة بحكم الهيمنة الديكتاتورية الإخوانية التى مارست الإرهاب على الشعب نفسه بكل فئاته.
إلا أن الشخصية المصرية سرعان ما دبت فيها الروح من جديد، وإذا بحركة «تمرد» تنجح نجاحاً ساحقاً فى ضم صفوف الشعب الذى اندفع ليوقع على التوكيلات وتستجيب الملايين فى يوم تاريخى هو 30 يونيو للنزول إلى الميادين والشوارع لإسقاط حكم الإخوان الديكتاتورى ونجح الشعب بالفعل فى القضاء المبرم على الديكتاتورية الإخوانية، وتحرير البلاد من قبضة الرجعية والتعصب والتطرف، بعد ان استجابت القوات المسلحة لنداء الشعب فى 30 يونيو بإعلان خريطة الطريق. والآن بعد انتخاب «السيسى» رئيساً للجمهورية وبداية مرحلة جديدة لتأسيس ديمقراطية مصرية أصيلة معبرة فعلاً عن الشعب المصرى بكل طوائفه، علينا أن نتساءل كيف ستسلك الشخصية المصرية سواء فى المدى القصير أو فى المدى الطويل. سنتابع ذلك وفق منهجنا فى النقد الاجتماعى المسئول الذى طبقناه على أحداث الثورة منذ 25 يناير حتى الان. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟